تعرف معنا على أحد أكبر وأعظم اطباء المسلمين الذين لم يأخذوا الشهرة التي يستحقونها مع عظيم ما قدموه للحضارة.
ابن ربن الطبري، أحد رجال المجد الضائع
صاحب موسوعة (فردوس الحكمة)
ابن ربن الطبري هو أبو الحسن علي بن سهل بن ربن، من أهل مرو بطبرستان. طبيب وفلكي ورياضي وعالم باللغات، اشتغل بتدريس الطب مدة وكان الطبيب المعروف أبو بكر الرازي أحد تلاميذه.
كان ابن ربن نصرانيا (وقيل يهوديا ) وأسلم على يد الخليفة المعتصم. وله العديد من الكتب من أهمها: كتاب (الدين والدولة) -في إثبات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم- و(تحفة الملوك) و(منافع الأطعمة والأشربة والعقاقير) و(حفظ الصحة) و(كتاب في الأمثال والأدب على مذاهب الفرس والروم والعرب)، وقد توفي عام 247هـ.
وموسوعته فردوس الحكمة هي موسوعة طبية ضخمة وتعتبر من أقدم المؤلفات الطبية العربية، وأغزرها مادة، وشملت جميع الأبحاث التي يرغب المتعلمون في الحصول عليها بسهولة، لتكون مرجعاً ودليلاً لطلاب العلم.
تطرق ابن ربن في موسوعته إلى جميع أقسام علم الطب التي عرفت حتى زمانه، وأعدها بشكل منظم فقسمها إلى سبعة أجزاء فيها ثلاثون مقالة، وتضم هذه المقالات ثلاثمئة وستين باباً، فصل فيها الكلام عن المبادئ العامة للطب وقواعد حفظ الصحة والحمية ، وتكلم عن التغذية وأنواع الأغذية، وعن البلدان والمناخ والفلك، كما اشتملت الموسوعة على علم الأجنة وعلم النفس ومواضيع بعيدة عن الطب كعلم الحيوان وعلم المعادن وغيرها.
وقد أفرد أكبر جزء من الكتاب لاستعراض الأمراض التي تصيب مختلف أجزاء الجسم بالتفصيل.
اعتمد ابن ربن الطبري في كتابه على ماورد في كتب الطب القديمة اليونانية والسريانية والهندية من مؤلفات كبار أطبائهم، وكذلك أفاد من مراجع عربية كمؤلفات ابن ماسويه وحنين بن إسحاق وابن وحشية. وكان يشير دوماً إلى المصادر التي اقتبس منها. وقد ألف موسوعته باللغة العربية ثم ترجمها إلى السريانية. وتعد هذه الموسوعة إسهاما مهما في وضع أسس الطب الحديث وقد تم طبعها ونشرها في القرن العشرين.
تتجلى الاسهامات العلمية لعلي بن ربَّن في تصنيفه في عدد من المواضيع الطبية التي تطرق لها بتفصيل في كتابه فردوس الحكمة، ومنها: وضع المبادئ العامة للطب، وقواعد الحفاظ على الصحة الجيدة، وذكر بعض الأمراض التي تصيب العضلات، ووصف الحمية للحفاظ على الصحة الجيدة، والوقاية من الأمراض ؛ إضافةً إلى مناقشة جميع الأمراض من الرأس إلى القدم، وأمراض الرأس والدماغ، وأمراض العين، والأنف، والأذن، والفم، والأسنان، وأمراض العضلات، وأمراض الصدر والرئة، وأمراض البطن والكبد والأمعاء، وأنواع الحمى. كما وصف النكهة والطعم واللون، وتعرض للعقاقير والسموم. في الكتاب ناقش ابن سهل طب الأطفال ونمو الطفل وعلم النفس والعلاج النفسي بالتفصيل. في العلاج النفسي, ركز على العلاقة بين الإرشاد والعلاج. قائلاً أن المرضى يشعرون بالمرض في المقام الأول بسبب أوهام أو خيالات. مثل هذه الحالات يمكن علاجها باستخدام “المشورة الحكيمة”. وهو نظام يؤسس علاقة مع المرضى, ويكسب تقتهم ويؤدي في النهاية إلى نتائج إيجابية.
ربما لم يكن ابن ربن مشهوراً بقدر تلميذه النجيب, الرازي. لكن كلماته ما زالت خالدة حيث يقول: ” عندما كنت مسيحياً, كنت أقول كما كان يقول أحد أعمامي المتعلمين البليغين: ” أن البلاغة ليست إحدى علامات النبوءة لأنها عامة لكل الناس. لكن عندما تخلصت من التقليد الأعمى والعادات القديمة وتركت الالتزام بالعادات وتأملت معاني القرآن, عرفت أن ما يدعيه أتباع القران صحيح. الحقيقة أنني لم أجد أي كتاب سواء كان عربياً أو فارسياُ أو هندياً أو حتى يونانياُ منذ بداية العالم إلى الآن يتضمن حمداً لله، إيماناً بالأنبياء والرسل, وحثاً على عمل الخير الدائم, ويأمر بالخير وينهى عن الشر ويلهم الرغبة بالجنة وتجنب النار مثل القرآن. لذلك, عندما يجلب شخص ما لنا كتاباً بمثل هذه الصفات يلهم خشوعاً وحلاوة في القلب محققاً نجاحاً خالداً, وهو –أي الشخص هذا- في نفس الوقت أمي, لم يتعلم فن الكتابة أو الخطابة. فإن هذا الكتاب, وبلا أي شك, أحد أدلة نبوءته”.
إقرأ أيضا:زكريا محمد القزوينيلعلي بن ربن عدد من الكتب الطبية وأشهرها كتاب فردوس الحكمة (850م) 236هـ وهو عبارة عن موسوعة طبية، تطرق فيه لجميع فروع الطب ؛ إضافةً إلى بحوث في الفلسفة وعلم النفس والحيوان، والفلك، والظواهر الجوية. وقد كتبه بالعربية وترجمه في الوقت نفسه إلى اللغة السريانية. ونشرت منه عدة نسخ في بلدان مختلفة. وقام الدكتور محمد زبير الصديقي بتحقيق هذا الكتاب، وقد طبع في الهند عام 1928. وفي سنة 1996 تم طبع الكتاب ونشره من طرف معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في إطار جامعة فرانكفورت الألمانية.
له أيضا كتاب تحفة الملوك، وحفظ الصحة، وكتاب في ترتيب الأغذية، ومنافع الأطعمة والأشربة والعقاقير ,و كتاب الرقى وكتاب في الحجامة. أضاف الزركلي إلى مؤلفاته كتاب “الدين والدولة” الذي يدافع فيه عن الإسلام. وله أيضا “الرد على أصناف النصارى”.