مقالات متنوعة

المسلم المعاصر: بين الإقبال المادي والإدبار الروحي!


في عالم معاصر تختلط فيه المفاهيم، تصاب العقول بالحيرة،والقلوب بالوجل من المستقبل،
يضطرب الإنسان ، يصير المال مطلب وللمادة المهرب، عقل متخم بالضلالات وقلب امتلأ بالشهوات فغاب الحق في زحمة ظلمات بعضها فوق بعض،يريد المؤمن أن ينجو منها بحياته وماله،في خضم هذه الظروف يبرز نموذج مسلم معاصر لا يعرف من دينه إلا اللمم، بل يجهل حتى المعلوم من الدين بالضرورة وإذا سألته عن هذا الركن أو ذاك، تعجب منك ومن سؤالك واتهمك بالتفقه في الدين!! وكأن التفقه في دين الله تهمة! بل هناك من يفتخر أنه يجهل أمور دينه ،وهناك من يتحجج بتخصصه الأكاديمي ليفر من الحرج حينما لا يحفظ حتى تلك السور القصار!!
تجده بارعا في ذكر ديكارت ومونتيسكيو ولافوازيه ويتغير لونه إذا ذكر أمامه ابن تيمية وابن القيم الجوزية وجابر بن حيان والخوارزمي من يعود له الفضل في ظهور التقنية وابن الجوزي والإمام تقي الدين الهلالي وأعلام إسلامية من الزمن القديم والحديث، يعتبر العلم ما خرج من تلك البلاد ما وراء البحار، أما علومنا مهما كانت متقدمة فهي عار وشنار لأنها ارتبطت بدين، وكأن العالِم يجب أن يتحلل من كل دين ليكون مسموع الصوت مرغوبا في علمه من الجميع!

*مؤسسات التربية والتكوين : مؤسسات الإقبال المادي!

إن مدارسنا أصبحت تركز على طغيان البعد المادي في شخصية الطفل أو الشاب الذي يتكون فيها،فالكل يحادثك كيف تجني ثروة، وكيف تتسابق لبناء ذاتك بسرعة وتكون في أعلى عليين في دنيا البشر، حتى أصبح في بلادنا معيار التفاضل بين التخصصات هو المتسيد، فهناك تخصصات يمقتها الجميع ويعتبرون من يدرسها من المغضوب عليهم، أما الجامعة كميدان للبحث العلمي (المقيد وليس الحر ) فقد همش دورها، أتذكر حينما كنت أدرس في السنة الختامية للبكالوريا وفي الوقت الذي كنت خارجا من المكتبة القريبة من ثانويتنا، سمعت امرأة تحادث تلميذة وتسألها عن طموحاتها بعد البكالوريا، وتنبهها على الابتعاد عن الجامعة لأنها في نظرها مجرد ضياع للوقت! لهذه الدرجة استطاع الماديون أن يدخلوا لعقول أجيال أن التعليم داخل الجامعة لا يسمن ولا يغني من جوع، لأنهم لا يريدون كائنات واعية بذاتها، بل مناهم وغايتهم أن يكون الطلاب كلهم جيش عرمرم من أولئك الفتيان والفتيات من أبناء الملاكين(بارك الله في أموالهم إن كانت من عرق الجبين ) الذي إذا لا مست يده فقط للسلام تألم، إنه رطب أكثر من الرطب نفسه، فهل مثل هؤلاء يعول عليهم ليقودوا أمما، من إذا واجههم مشكل هبوا لحضن أمهاتهم، لم يجربوا الخشونة قط في حياتهم.
أتذكر حينما كنت أدرس في أحد الأسلاك التعليمية، مدير المؤسسة كان شخصا فظا غليظا القلب ينفر منه الجميع، شخصيا كنت لا أطيقه البتة، كان ديكتاتوريا مثل سوهارتو و القذافي وغيرهما، يكفي أن يمر أمامك ليصفعك على خدك بدون سبب يذكر، كنت من ضحاياه ذات مرة، أما إن حادثك فلن يترك لك مجالا أصلا لتتكلم، كنت أحمد الله أنني لا ألتقي به إلا لماما، وسمعت من أصدقائي من كانوا يجاورونه في داخلية المؤسسة أنه كان يمر في حملة ليلية فيجد أحدهم يصلي أو يقرأ القرآن فينهره، قائلا : اذهب لتدرس ودع عنك هذا! وقال لي أحدهم أنه كان من الطلبة المحسوبين على التيار الماركسي في عز سيطرته على الجامعة في سنوات ما قبل الألفية الثالثة حينما كان الإلحاد موضة، فيكفي أن تلحد لتصبح عميقا،
لكن وشهادة لله ما كنت أحترمه فيه هو تقديره الكبير للطلبة النوابغ خاصة في مادة الرياضيات، كان يحترمهم كثيرا وينزلهم منزلة عظيمة، أما من ناحية ضبط المؤسسة تنظيميا وأخلاقيا، فالأمر كان تحت السيطرة فلن تجد فتاة تلبس القصير من الملبس ولن تجد تلميذا يسرح شعره بشكل غريب، الكل كان مرعوبا من سيادة المدير، حتى بعض الأساتذة المذبذبين، فيصدق عليه المثل الصيني : إذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد، لكن صلاحه كان ماديا محضا، ولم يكن للجانب الروحي حضور في حياته حسب ما كان يظهر لي وللكثيرين، ولهذا أود التنبيه أنه يجب الحرص والحيطة في اختيار من يتقلد مهمة تربية أبناءنا في مؤسسات التربية والتكوين، فلا نريد من يحرض على التخلص من كل القيم الدينية، لا نريد الماديين.
نحن نحتاج لمربين فاضلين من يجمعون بين الحزم والحلم والقوة والأمانة…

إقرأ أيضا:التركيبة السكانية في المجتمع الأندلسي

*شخصية المسلم المعاصر : تثاقف غربي محض وغرابة روحية

ما بال أقوام يسمون الأشياء بغير مسمياتها، في نظرهم كلما هاجمت الإسلام وطالبت بتعطيل شريعة الرحمان ورأيت القرآن والسنة تخلفا! وغيرهما تقدما ورقيا، أغدقوا عليك بالمديح وسموك تنويريا!
أتقصدون أن الإسلام ظلمة تحتاج من ينيرها!
ما لكم كيف تحكمون، تعس من تطاول على شريعة رب الوجود بأفكار من عقله المحدود.
حينما ظهر الإسلام أول مرة طلب الله من عباده التسليم الكلي لله ولرسوله فهذا تمام الإيمان، أما أن تهرطق بأفكارك المتطرفة وتحاول أن تتهم ربك بتهم باطلة وتشرع في مكانه، فأنذاك لست تنويريا بل أنت الظلام الدامس بعينه يهجم على نور أضاء السماء والأرض، واتبع هديه الثقلين : الإنس والجان.
التنوير هو أن تنير روحك بنور الإسلام، بالوحيين :القرآن الكريم والسنة المطهرة، أما ما دونهما فهو قول يقبل الصحة والفساد، القبول والرد، تعاهد قلبك بين الفينة والفينة واعلم أن المسلم الحق يحكم الله في كل شؤونه ولا يجد في نفسه حرجا من أحكام الله عزوجل، لا تكن غايتك أن تصير مشهورا بين الخلائق أو يحصل ابنك على المناصب العليا في الدنيا ولا يكون له في الآخرة نصيب، إنى أرى الكثيرين يتهافتون لتدريس أبناءهم اللغات والعلوم الحديثة وهذا أمر محمود ومطلوب، ولكن ما هي النية وماذا يبغي المسلم من تعليم ابنه؟ هل يريد الدنيا أم الآخرة، قال الله تعالى في محكم التنريل:
“مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ”سورة آل عمران الآية 152
النية يجب أن تكون نفع الأمة بهذا العلم والاستخلاف في أرض الله، ونشر الدعوة الإسلامية بين الأمم والحضارات بالقوة الناعمة، بأخلاق الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وتذكروا أنه ليست الثقافة أن تقرأ حصريا لهذا المفكر الغربي أو ذاك، لا بأس أن تطلع على أفكار الأمم الأخرى إذا كانت الغاية الاستفادة والاستزادة، ولكن لا تكن الغاية الاتباع الأعمى، فكتبهم وعلمهم مهما علا فهو خال من الروحانيات والإيمان، لذلك وازن بين تثاقفك الغربي والتثاقف الإسلامي، ومن المحمود أن تقرأ كتب ابن القيم الجوزية كيف تغسل روحك وتعيد لها بريق الإيمان، اقرأ كتاب الروح ومدارج السالكين كي تسلك طريقا نحو ربك سبحانه، واقرأ لأئمة معاصرين لتجلي عن نفسك الغرابة الروحية، فها هو كتاب الطريق إلى القرآن سيقع بلسما على صدرك بكلماته المنتقاة بعناية، وكتاب رقائق القرآن الذي سيرقق قلبك وكلاهما للشيخ إبراهيم السكران فك الله أسره.

إقرأ أيضا:إقبال بنات اللاعب الدولي رونالدوعلى تعلم العربية

السابق
الاصل المشرقي لرفات مدينتي الصخيرات وتطوان بالمغرب
التالي
ابن السمينة

اترك تعليقاً