تاريخ وأحداث

التركيبة السكانية في المجتمع الأندلسي

الأنْدَلُس المعروفة أيضًا في الخطاب الشعبي الغربي خُصوصًا والعربي والإسلامي أحيانًا باسم «إسبانيا الإسلاميَّة» أو «أيبيريا الإسلاميَّة»، هي إقليمٌ وحضارةٌ إسلاميَّة قروسطيَّة قامت في أوروبَّا الغربيَّة وتحديدًا في شبه الجزيرة الأيبيريَّة، على الأراضي التي تُشكِّلُ اليوم إسبانيا والبرتغال، وفي ذُروة مجدها وقوَّتها خلال القرن الثامن الميلاديّ امتدَّت وُصولًا إلى سبتمانيا في جنوب فرنسا المُعاصرة.

شهد المجتمع الأندلسي تنوعًا كبيرًا في عناصر السكان بحكم التنوع في الأصول البشرية والعقائد والثقافة، فكان يضم العنصر العربي كمكون أساسي (العرب الفاتحين، العرب الوافدين)، والبربر الذين دخلوا مع طارق بن زياد الصّائِدِيُّ، أو الذين هاجروا من بلاد المغرب إلى الأندلس لاحقا؛ بحثًا عن المغانم أو سعيًا للاستقرار، بالإضافة إلى المولودين الإسبان الأصليين، والصقالبة.

العرب في الأندلس

لقد شكل العرب أساس التكوين الاجتماعي في الأندلس، فكانوا الأمراء والسياد والوزراء وكانت الولاية والتمدن والثقافة والأدب والعلوم مقتصرا عليهم، جاء في مجلة «The Academy» العلمية :

“ تحت حكم بني أمية الذين طردوا من الشرق، وذهبوا إلى إسبانيا، استمرت العديد من القبائل العربية التي تأسست سابقًا في سوريا ومصر وفلسطين، في التدفق إلى الأندلس، وتضخمت صفوفهم، فكان لهم في المقام الأول الثقافة والفنون والأدب والأخلاق وأي شيء آخر جعل إسبانيا مختلفة تمامًا عن الدول الأوروبية الأخرى خلال العصور الوسطى. صحيح أن البربر كانوا مساعدين أقوياء عند الفتح…، لكنهم كانوا مجموعة فظة وجاهلة، يتحدثون ولكن بشكل غير كامل اللغة العربية، ومعظمهم يعتنقون اليهودية، أو غارقون في أعماق عبادة الأصنام“. (راجع المصدر هنا)

إقرأ أيضا:التأثير الجيني العربي حاضر بقوة لدى الأندلسيين حسب دراسة جينية جديدة

ويقول المؤرخ واللغوي الإسباني دون ألدرتي برناندو (1560م)، عن أهل إسبانيا بعد سقوط الأندلس بمدة قليلة : “ وأما أبناء هذه الأمة فقد أكدوا أنهم ليسوا إلا عربا؛ وبنفس المصير أقول إن جميع الأسماء القديمة، حتى قبل دخول المحمديين، وإن كانت ليست عربية فإنها بونيقية، لأن الفينيقيين..، كانت لهم مدن، وحروب، وعاشوا قرونًا عديدة وقديمة جدًا في إسبانيا“.{راجع هنا}

وقد جاء في المجلة الأمريكية للعلوم الاجتماعية الإسلامية حول هجرة القبائل العربية وتوسعها : “ أدى توسع الإسلام أيضًا إلى قيام القبائل العربية بأحد أكبر التوسعات في التاريخ بهجرتهم من شبه الجزيرة العربية إلى العراق وخراسان والإمبراطورية الصينية، وإلى شمال إفريقيا وإسبانيا (الأندلس) “. (راجع هنا)

توزيع العرب في مدن الأندلس

إن غالب القبائل العربية التي هاجرت للأندلس إستقرت في المدن والأماكن الخصبة يقول المؤرخ البريطاني هيو كينيدي (Hugh Kennedy) : “ يميل الأشخاص من نفس الخلفيات القبلية والعرقية إلى الاستقرار في نفس المناطق وفي المناطق التي يعتبرونها مناسبة لنمط حياتهم، ولهذا استقر العرب بشكل عام في المدن الرئيسية والمناطق المروية الخصبة “.(راجع هنا)

إقرأ أيضا:القراءة التخصصية لنفع الأمة الإسلامية

وقد فصل إبن رستة العالم الجغرافي الفارسي (912م) في كتاب الاعلاق النفيسة في توزيع العرب في مدن الأندلس قائلا في فصل طويل : “ ومن أراد جزيرة الأندلس…، حتى يصير إلى بَلَدِ تُدمير (Tudmir) وهو بَلَد واسع عامر فيه مدينتان يقال لإحداهما العَسْكَرُ والأُخْرَى لورقة (Lorca) في كل واحدة منبر، ثُمَّ يخرج منها الى المدينةِ الَّتى يَسْكُنُها المُتَقَلِّبُ من بني أمية، وهي مدينة يُقال لها قرّطْبة فيسيرُ سِتَّةَ أَيَّامٍ من هذا الموضع في قرى مُتَّصِلة وعمارات ومروج وأَوْدِيَةٍ وَأَنْهَارٍ وعُيونٍ ومزارع، وقَبْلَ أَن يَصير إلى مدينة قرطبة من تُدْمِيرَ يَصِيرُ الى مدينة يقال لها البيرةُ (Elvira) نَزَلَها مَنْ كان قَدِمَ البَلَدَ من جُنْدِ دِمَشْقَ من مُضَرَ وجُلُّهم قَيْس وأفناء قبائل العرب بينها وبين قرطبة مسيرةُ يَوْمَيْنِ، وغَرْبِيَّها مدينة يقال لها ريَهُ (Rayya) نَزَلَها جُنْدُ الْأَرْدُنِ وهِم يَمَنْ كُلُّهم من سائر البطون، وغربي ريّة مدينة يقال لها شَدونةُ (Sidonia) نَزَلَها جُنْدُ حِمْصَ وَأَكْثَرُم يمن وفيهم من نِزارٍ نَفَر يَسيرٌ، وغَرْبِيَّ شَدونة مدينة يقال لها الجزيرةُ نَزَلَها البَرْبَرُ وأَخْلاطٌ من العَرَبِ قليل، وغربي اشبيلية مدينة يقال لها لَبلةُ (Niebla) نَزَلَها العرب أَوَّلَ ما دُخِلَ البَلَدُ مع طارق مَوْلَى موسى بن نُصَيْرٍ اللخمي، وغربيها مدينة يقال لها باجة (Beja) نَزَلَها العربُ أَيْضًا مع طارق…،ثُمَّ يَخْرُجُ من قرطبة مشرقا إلى مدينة يقال لها جَيّانُ (Jaén) وبها مَنْ كَانَ مِن جُنْدِ قنسرين والعواصمِ وهم أخلاط منَ العَرَبِ مَن مَعَدّ واليَمَنِ، ومن جيان ذات الشمال إلى مدينة طليطلة مدينة منيعة جليلة ليس في الجزيرة مدينة أمنع منها وأهْلُها مخالفون على بني أُمَيَّةَ وهم أخلاط من العَرَبِ والبَرْبَرِ والمَوالى ولها نَهَر عَظِيمٌ يقال له دوير..، “. (راجع ك، هنا)

إقرأ أيضا:القبائل العربية في الأندلس

كما سكنت جموع من العرب أيضا مدن إشبيلية وغرناطة، فعن إشبيلية يقول إبن بسام الشنتريني : “وحضرة إشبيلية على قدم الدهر كانت قاعدة هذا الجانب الغربي من الجزيرة، وقرارة الرياسة ومركز الدول المتداولة، ومنها مهدت البلاد، وانبثت الجياد، عليها الفرسان، كأنها العقبان، وبهذا الأفق نزل جند حمص من المشرق فسميت حمص، ولما كانت دار الأعزة والأكابر، ثابت فيها الخواطر، وصارت مجمعاً لصوب العقول وذوب العلوم، وميداني فرسان المنثور والمنظوم“.(راجع هنا)

وعن غرناطة عاصمة بني الاحمر الأنصار يقول إبن الخطيب الأندلسي في مدح أهلها وبنائها قائلا : “ورأيت أن هذه الحضرة التي لا خفاء بما وفّر الله من أسباب إيثارها، وأراده من جلال مقدارها، جعلها ثغر الإسلام ومتبوّأ العرب الأعلام، قبيل رسوله، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وما خصّها به من اعتدال الأقطار، وجريان الأنهار، وانفساح الاعتمار، والتفاف الأشجار. نزلها العرب الكرام عند دخولهم مختطّين ومقتطعين، وهبّوا بدعوة فضلها مهطعين، فعمروا وأولدوا، وأثبتوا المفاخر وخلّدو“. (راجع المصدر هنا)

أما عن قرطبة عاصمة العرب في الأندلس، يُحَلِّي ابن بسام الشنتريني( 1058-1147م)، أهلها قائلا : “وبالجملة فأكثر أهل بلاد هذا الأفق -يعني قرطبة خاصةً والأندلس عامَّة- أشراف عرب المشرق افتتحوها، وسادات أجناد الشام والعراق نزلوها؛ فبقي النسل فيها بكل إقليم، على عرقٍ كريم، فلا يكاد بلد منها يخلو من كاتب ماهر، وشاعر قاهر“.

تقسيم قبائل العرب في الأندلس

يقول إبن الخطيب عن أهل الأندلس وأنسابهم “ وأنسابهم حسبما يظهر من الإسترعات، والبيعات السلطانية والإجازات، عربيةٌ : يكثر فيها القرشي، والفهري، والأموي، والأمي، والأنصاري، والأوسي، والخزرجي، والقحطاني، والحميري، والمخزومي، والتنوخي، والغساني، والأزدي، والقيسي، والمعافري، والكناني، والتميمي، والهذلي، والبكري، والكلابي، والنمري، واليعمري، والمازني، والثقفي، والسلمي، والفزاري، والباهلي، والعبسي، والعنسي، والعذري، والحججي، والضبي، والسكوني، والتيمي، والعبشمي، والمري، والعقيلي، والفهمي، والصريحي، والجزلي، والقشيري، والكلبي، والقضاعي، والأصبحي، والهواري، والرعيني، واليحصبي، والتجيبي، والصدفي، والحضرمي، والحمي، والجذامي، والسلولي، والحكمي، والهمذاني، والمذحجي، والخشني، والبلوي، والجهني، والمزني، والطائي، والغافقي، والأسدي، والأشجعي، والعاملي، والخولاني، والأيادي، والليثي، والخثعمي، والسكسكي، والزبيدي، والتغلبي، والثعلبي، والكلاعي، والدوسي، والحواري، والسلماني، هذا ويرد كثير في شهادتهم، ويقل من ذلك السلماني نسباً، وكالدوسي، والحواري، والزبيدي، ويكثر فيهم، كالأنصاري، والحميدي، والجذامي، والقيسي، والغساني، وكفى بهذا شاهدا على الأصالة، ودليلا على العروبية “. (راجع مصدر هنا)

ويقول أحمد المقري التلمساني (القرن 16م) نقلا عن إبن غالب الاندلسي واصفا المجتمع الأندلسي : “وأهل الأندلس عرب في الأنساب والعزة والأنفة وعلو الهمم وفصاحة الألسن وطيب النفوس وإباء الضيم وقلة احتمال الذل والسماحة بما في أيديهم والنزاهة عن الخضوع وإتيان الدنية… “. (راجع هنا/هنا)

وقد فصل أحمد المقري التلمساني في ذكر قبائل العرب بالأندلس وفروعها ناقلا عن إبن غالب وإبن حزم في فصول طويلة سبق وتطرقنا لها في مقال العرب في الأندلس {راجعه هنا}.

البربر في الأندلس

أول دخول للبربر إلى الاندلس كان مع طارق بن زياد، ولحق بهم بعده الكثيرون من البربر من شمال أفريقيا بعد نجاح الفتح تماما، وكان غالبية البربر الذين دخلوا الأندلس من قبيلة مصمودة وفروعها، إلى جانب مجموعة أخرى من القبائل مثل هوارة وزناتة إلخ، غير إنه تجدر الإشارة إلى أن جموع البربر الذين دخلوا للأندلس سيتم طردهم بعد قيام الفتنة البربرية في عهد الأمويين، يقول عن هذا مؤرخ الأندلس أحمد المقري التلمساني : “ واتفق في هذا الوقت أن برابر الأندلس لما بلغهم ما كان من ظهور برابر العذوة على العرب انتقضوا على عرب الأندلس، واقتدوا بما فعله إخوانهم، ونصبوا عليهم إمامًا، فكثر إيقاعهم بجيوش ابن قطن، واستفحل أمرهم، فخاف ابن قطن أن يلقى منهم ما لقي العرب بير العدوة من إخوانهم، وبلغه أنهم قد عزموا على قصده، فلم ير أجدى من الاستعداد بعرب الشام أصحاب بلج الموتورين، فكتب لبلج، وقد مات عنه كلثوم في ذلك الوقت، فأسرعوا إلى إجابته، وكانت أمنيتهم، فأحسن إليهم، وأسبغ النعم عليهم، وشرط عليهم أن يأخذ منهم رهائن، فإذا فرغوا له من البربر جهزهم إلى إفريقية، وخرجوا له عن أندلسه، فرَضُوا بذلك، وعاهدوه عليه، فقدم عليهم وعلى جنده ابنيه قطنا وأمية، والبربر في جموع لا يحصيها غير رازقها، فاقتتلوا قتالاً صعب فيه المقام، إلى أن كانت الدائرة على البربر، فقتلتهم العرب بأقطار الأندلس حتى الحقوا قلهم بالثغور وخلوا عن العيون، فكر الشاميون وقد امتلأت أيديهم من الغنائم فاشتدّت شوكتهم، وثابت همتهم “. (راجع هنا)

وقال عن هذا إبن عذاري المراكشي في «البيان المغرب» ؛ “ فلما حلوا بالخضراء، اجتمع بهم عبد الملك بن قطن؛ وكان بشذونة جمع من البربر، عليهم رجل زناتي؛ فبدأ عبد الملك بمقاتلتهم في وادي الفتح من شذونة، فلم يكن العرب فيهم إلا نهضة، حتى أبادوهم، وأصابوا أمتعتهم ودوابهم. فاكتسى أصحاب بلج، وانتعشوا، وأصابوا الغنائم. ثم نهضوا مع عبد الملك إلى قرطبة؛ ثم ساروا بأجمعهم إلى جهة طليطلة، وقد اجتمع هنالك معظم البربر؛ فكانت هزيمتهم العظمى هنالك بوادي سليط من حوز طليطلة، بعد أن زحف عبد الملك وبلج إليهم بعرب الأندلس، حاشا عرب سرقسطة وثغورها. وزحف البربر بأجمعهم، فهزمهم العرب، وقتلوا منهم في الهزيمة آلافا “. (راجع هنا)

بعد إبادة البربر في الأندلس على يد الشاميين قوة شوكتهم بالبلاد، يقول إبن عذاري : “لما أباد ابن قطن البربر بالأندلس، بمن كان معه من العرب، وبأصحاب بلج، قال لبلج وأصحابه: (اخرجوا من الأندلس على ما شورطتم عليه!) فقال بلج: (احملنا إلى ساحل البيرة أو ساحل تدمير!) فقال لهم عبد الملك: (ليست لنا مراكب إلا بالجزيرة!) فقالوا له: (إنما تريد أن تردنا إلى البربر ليقتلونا في بلادهم!) فلما ألجَّ عليهم في الخروج، نهضوا إليه؛ فأخرجوه من قصر قرطبة إلى داره بالمدينة…، لما ملك بلج الأندلس، واستولى عليها، طلب منه الجند أن يعطيهم ابن قطن في الغسانيّ المذكور؛ فتوفق بلج؛ فألحّ الجند، وثارت اليمن كلها على كلمة واحدة. وكان ابن قطن شيخا هرما، قد بلغ التسعين؛ وكان قد حضر يوم الحرَّة، ومنها فرَّ إلى إفريقية؛ وكان يومئذ بداره بقرطبة…“. (راجع هنا)

فلما هلك بلج قدم الشاميون عليهم بالأندلس ثعلبة بن سلامة سنة 742م، فقام هو الأخر بمطاردة من بقي من البربر في مخابئهم فحاصر أخر معاقل البربر في الأندلس وقتلهم ومن معهم من العرب وسبا نسائهم وأطفالهم، يقول عن هذا إبن عذاري المراكشي : ” فأقعد أصحابه ثعلبة بن سلامة بما عهد به هشام إليهم، وبايعوه. وثار من بقى من البربر بماردة في أيامه، فغزاهم، وقتل منهم خلقاً كثيراً “. (هنا)

ويقول إبن الأثير في الكامل في التاريخ : ” الأمير ثعلبة فقام بالأمر وثارت في ايامه البربر بناحية ماردة فغزاهم فقتل فيهم فاكثر “. (راجع هنا)

ولم يستطع البربر العودة إلى الأندلس إلى بعد سقوط الخلافة الأموية بالمشرق، وقيام الدولة الأموية في الأندلس بدعم من الملك الأموي صقر قريش الذي كانت علاقته طيبة مع البربر، إلا أن عودتهم لم تكن بالقوة البشرية، بل قليلة وإضطر أغلبهم لتبني النسب العربي ليجد قبولا في المجتمع أنذاك، وهذا ما يفسر تبني الموحدين والمرابطين لنسب يرتفع لبر بن قيس بن عيلان.

المولدون والصقالبة واليهود

بعد فتح الأندلس، اعتنق الكثير من السكان الأصليين في البلاد؛ من الإسبان والقوط، الديانة الإسلامية، واندمجوا في المجتمع الجديد، وأُطلق عليهم المسالمة، وتحول معظمهم إلى موالي الفاتحين.

ويُشار إلى أن الفئات الأولى التي اعتنقت الإسلام بعد الفتح كانوا من الطبقات الفقيرة والمضطهدة، ولم يقتصر الأمر عليهم، بل تبعهم طبقات اجتماعية عديدة مثل النبلاء والزراع والحرفيين وغيرهم.

وعندما تزوج المسلمون العرب والبربر من نساء الإسبان، أنجبوا أطفالًا نشأوا على الإسلام، وأُطلق عليهم المولدون، وتمكنوا فيما بعد من المشاركة في الحياة السياسية في البلاد، واشتهر كثير منهم بالقوة والنفوذ والثراء، إلا أنهم لم يحظوا بالامتيازات ذاتها التي ينعم بها العرب والبربر.


المستعرَبون.. أهل الذمة من المسيحيين الإسبان

المستعربون هم «المسيحيون الإسبان» الذين آثروا الاحتفاظ بدينهم، فأصبح لهم حقوق وعليهم واجبات، وعاشوا على مبدأ التعايش والاندماج، ولكنهم تأدبوا بآداب اللغة العربية وبعادات العرب. تكلم أولئك المستعربون بلغة العرب الفاتحين، وتفننوا في استخدام الفصحى ونظم الشعر، وقراءة أمهات الكتب.

وبسبب تغلغلهم في اللغة العربية، فقد أهمل الشباب والأطفال دراسة اللاتينية – لغة الدين المسيحي – وهو ما أوصلها إلى درجة كبيرة من التدهور، فأصبح من الضروري ترجمة قوانين الكنيسة الإسبانية القديمة والإنجيل إلى اللغة العربية ليتمكن المستعربون من استخدامها. كذلك، اقتبس المستعربون الكثير من التقاليد الاجتماعية التي لا تتوافق مع المسيحية مثل اتخاذ الجواري.

وقد مارس المستعرَبون أشغالًا عملية مختلفة؛ مما أهلهم ليصبحوا من ذوي النفوذ والأملاك. كما أن معرفة رجال الدين للغتين العربية واللاتينية أهَّلتهم ليقوموا بدور المترجمين والسفراء.

الصقالبة

كان سكان البلاد المختلفة من بلغاريا العظمى التي امتدت أراضيها من بحر قزوين إلى البحر الأدرياتي، ومن المقاطعات الإسبانية الشمالية، وغيرها من الأماكن، وقد استمدت من كلمة رقيق بالفرنسية.

وكان الصقالبة أشهر أنواع الرقيق الأبيض، ولم يتمكنوا من الاندماج في المجتمع الأندلسي، ولكن كانوا يمثلون العنصر الأوروبي في الأندلس، وكانوا يأملون في القضاء على الدولة الإسلامية في البلاد، فقد استُعبدوا وتحولوا إلى رقيق. وقيل إن تجار النخاسة من اليهود قد جلبوهم أطفالًا وخصوهم، مما زاد الإقبال عليهم، فتلقوا تربية ممتازة، وجعلهم يعتلون أرفع المناصب.

وقد اتخذ منهم الحكم بن هشام الربضي، حرسًا خاصًّا له، واتخذ منهم الخليفة عبد الرحمن الناصر مستشارين وقادة في الجيش والغزو، ومدبري الدولة. وهكذا، تدرج الصقالبة من أدنى المراتب إلى أعلاها، حتى إن نفوذهم قد زاد كثيرًا مع ضعف الخلافة الأموية، وسيطروا على شؤون الحكم، وتدخلوا في تعيين الخلفاء وعزلهم وقتلهم.

اليهود

كان اليهود أحد العناصر في المجتمع الأندلسي، وقد حظيت الطوائف اليهودية في الأندلس بثقة العرب المسلمين منذ بداية الفتح، فكان هناك ثقة متبادلة بين الطرفين، فاليهود لم يتعرضوا للقمع والاضطهاد في ظل الحكم الإسلامي، كما أن معاملة القوط السيئة لهم، جعلتهم يقفون مع الفاتحين الجدد من المسلمين، وشاركوا في حماية المدن المفتوحة.

السابق
تأملات و خواطر حول المولد النبوي الشريف
التالي
الدارجة المغربية : غَدَّدَ اوغَدَّدْنِي

اترك تعليقاً