يتعلق الامر بمدرسة الرماية المتمثلة في الزاوية الناصرية التي ظهرت في القرن السادس عشر بقبيلة احمر بضواحي مدينة آسفي, وقد كان مؤسساها الشيخان الاخوان سعيد و علي ابنا ناصر الحمري اللذان تمرسا بصيد الوحيش والرماية والفروسية.وكانا قد تتلمذا على ذلك في طريقهما الى رحلة الحج على يد الشيخ احمد وموسى السملالي المتوفى سنة 156.
ولقد صارت الزاوية الناصرية بقبيلة احمر مع مر الزمن هي المدرسة الاولى للرماية بالمغرب; وساعدها على ذلك وفرة اراضيها على مختلف انواع الوحيش كالغزلان والارانب والاروي; ومختلف انواع الطيور كالحبارى والحجل والقطاة. وقد عرف في ترجمة المولى اسماعيل انه كان يبعث بالغلمان والعبيد والامراء ليتعلموا الرماية والفروسية على يد شيوخها الذين كانت لهم قوانين مسنونة و عادات محكمة لظبط المهنة. فكان لقب شيخ الرماة (شيخ الرمى) او (المزوار) يعطى لرئيسهم. وكان لقب (المقدم) يعطى لمساعد الشيخ.
وقد تطورت هذه الزاوية لتأخذ شكلا أكاديميا وبعدا مخزنيا، ليأمر السلطان محمد بن عبد الله ببناء (المدرسة الأميرية) بالشماعية لنفس الغرض وليشرف عليها شيوخ الرماية والفروسية من الزاوية نفسها.
وفي هذا الاطار يقول احد طلبة هذه المدرسة وهو “إدريس منو” الباشا السابق لقصبة مراكش ورفيق السلطان عبد الحفيظ الذي تتلمذ رفقته بها “كنا بعد أن تمكنا من رؤوس الجياد نصطاد.فنمعن النظر في القفار فنجني معسول الاماني”..
إقرأ أيضا:اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم (عرض)ومما ورد أيضا على لسان الباشا إدريس منو أن (المزوار) كان إذا لاحظ اهتمام الطالب بأمور الفروسية والرمايةوالصيد دون الأخذ بأمور الفقه والشريعة،فإنه ينفر منه ويبعده..
وذلك لأن من خصائص الزاوية الناصرية قبلا والمدرسة الأميرية فيما بعد أنهما كان لهما تكوينا دينيا صرفا،يعمل مشايخها على إكساب الطالب قيما دينية وروحية قبل تلقينه فنون الرماية والفروسية. ومن هذا المنطلق ظهر مفهوم (الرامي) الذي هو القناص حسب المفهوم المغربي. هذه الكلمة التي حملت في الثقافة المغربية الكثير من المعاني, معاني النخوة والشهامة..ففي كثير من الاحيان نسمع عن مكانة الرماة (الرمى) “بالدارجة المغربية” في المجتمع, بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي, فهده المكانة تكسبهم احتراما وتقديرا كبيرين,لحد ان بعض الناس العاميين يعتقدون ان دعوة “الرامي” مستجابة لا ترد ,كما كانت هناك محاكم عرفية يسير مجالسها مجموعة من الرماة يرأسهم “المزوار” أو ما يسمى ب “شيخ الرمى”..وقد كان العمل بهذه المحاكم الى حقبة قريبة من تاريخ المغرب شائعا في ربوع التراب المغربي.إلا أن هدفها الأول كان هو الصلح بين المتنازعين.باستثناء بعض الحالات التي يستعصي عليهم امرها فانهم يحيلون امرها الى القضاة المعتمدين من طرف المخزن…وترجع هذه المكانة التي اكتسبوها،لتكوينهم الديني كما قلت، الذي تلقوه في مجموع مدارس الرماية التي ظهرت بعد ظهور الزاوية الناصرية والتي حذت حذوها في تلقين طلبتها أصول الدين والفقه بالدرجة الأولى كما سبق الذكر آنفا، وكذلك فنون الرماية والقنص والفروسية, والقصد من ذلك ليس تعليم الناس فنون القنص، وانما اكسابهم روحا قتالية تمكنهم من الدفاع عن مقدساتهم ضد الغزاة, وهي بذلك تشبه الى حد بعيد المدارس العسكرية المتواجدة الان .لكن وللأسف عرفت هذه المعلمة الأثرية تهميشا كبيرا من قبل وزارة الثقافة وكأنها لم تكن يوما قبلة علمية وعسكرية.
إقرأ أيضا:كتاب البربر عرب قدامى للدكتور محمد المختار العرباري“المصدر”
-القنص بالصقر بين المشرق والمغرب.لمؤلفه عبد الهادي التازي -1980-
–اسفي وما اليه .لمؤلفه محمد بن احمد العبدي الكانوني .1893-1938
–حول مائدة الغذاء- محمد المختار السوسي-
-اوراق من تاريخ القنص ببلاد عبدة واحمر ودكالة.لمؤلفه ابرهيم كريدية -2012-