تاريخ وأحداث

كثرة العرب في بلاد المغرب

يشكل العرب جزءا أساسيا ومهما في تاريخ بلاد المغرب، مند عصور ما قبل الإسلام، فقد شكل أسلاف العرب أول معالم الحضارة في أرض المغرب سواء تعلق الأمر بالفينيقيين أو الموريون بعدهم.

وإن العرب اليوم في بلاد المغرب عامة، يشكلون الإثنية الرئيسية والطاغية، إلى جانب إثنيات أخرى أبرزها البربر، وفئات أخرى لا يعرف عددها كالوندال والروم والفرنجة والعبيد.

وسنخص مقالنا هذا للحديث عن كثرة العرب في بلاد المغرب كما وصفها المؤرخون وأهل العصر مع الإشارة أيضا للإستيطان العربي في بلاد المغرب قبل الإسلام.

الفينيقيون والماوريون

يمثل الفينيقيون والماوريون أبرز دلائل الإستيطان العربي المبكر في شمال إفريقيا، يقول هيروديت أبو التاريخ : “ ساكنة شمال افريقيا تنقسم لأربعة شعوب : ليبيون وفينيقيين وإيثيوبيون وإغريق“، ويقول هيروديت عن أصل الفينيق أنهم من الجزيرة العربية وبالضبط “ أرض دلمون “، وهي البحرين حاليا.(راجع هنا/هنا)

أما الماوريون أو الموروسي سكان مملكة موريطنة، فهم قبائل عربية كنعانية وفدت من سوريا إلى بلاد المغرب نازحة من إعتداء اليهود، يقول بروكوبيوس القيسراني (500م)، الذي كتب حرب بيليساريوس ضد الفاندال الذين احتلوا إفريقيا، أنه قرأ النقش التالي المنقوش على أعمدة أقيمت في هذه الأماكن (طنجة، أرض الشام) : {Nos Maurusii, qui fugimus a facie Jesu la- tronis filii Nave}، والذي يشير بوضوح إلى سبب فرارهم من سوريا “. (راجع المصدر هنا)

إقرأ أيضا:قبيلة الخلط او الخلوط من عرب بني المنتفق بمنطقة الغرب

وقد أشار القائد العسكري والمؤرخ الروماني أميانوس مارسيلينوس (Ammianus Marcellinus) في القرن الرابع ميلادي إلى أن هناك قبائل في الجزيرة العربية تسمى مور بحيث جاء في مذكراته وهو يتكلم عن الثوراث ضد الرومان في مقاطعة نصيبين الرومانية (State Of Nisibis) شرق سوريا ؛ 《 وبينما كان يتم الضغط على كل ما هو ضروري داخل الأسوار، استمرت النيران وأعمدة الدخان في الظهور على الجانب الآخر من نهر دجلة، بالقرب من المدينة التي تسمى معسكر المور، وشيزر ( توجد بسوريا) 》. (راجع المصدر هنا)

من كتاب Ammianus Marcellinus

وجاء في المجلة التاريخية الإنجليزية «La colmena»، المنشورة سنة 1845م، خلاصة لما قاله المؤرخون القدامى عن الموروسي : “ يبدوا أن العرب الكنعانيين، الذين طردهم اليهود تحت قيادة يشوع، ذهبوا للاستقرار في أفريقيا، مما أدى إلى ظهور أمة المورو أو موروس هناك.“. {راجع هنا}

ويمكن لمن يهمه الأمر أن يراجع مقالا مفصلا عن الموروسي وباقي سكان شمال إفريقيا قبل الميلاد، ثم إعداده على موقع المنصة العربية تحت عنوان «ديموغرافية المغرب عبر التاريخ».

إقرأ أيضا:دخول عرب التغريبة للمغرب الأقصى حسب ابن صاحب الصلاة

كثرة العرب في الجزيرة العربية

إن أرض العرب سواء قبل الإسلام أو بعده، كانت عامرة مكتضة بالسكان، وهناك شواهد تاريخية معاصرة تؤكد هذا، فعلى سبيل المثال يقول لنا الجغرافي اليوناني سترابون 63 ق. م، عند كلامه عن بلاد العرب : “ تبدأ شبه الجزيرة العربية من جهة بابل مع المايسين [الكويت الحديثة]. وتمتد أيضا من جهة صحراء العرب، ومن جهة أخرى الأهوار (العراق اليوم) المقابلة للكلدانيين التي تكونت من فيضان الفرات، ومن جهة أخرى بحر فارس…، من هيروبوليس [أبو كيشيد الحديثة، بالقرب من مدينة السويس الحديثة]، الواقعة في استراحة الخليج العربي على ضفاف النيل، إلى بابل، باتجاه البتراء النبطية، 5600 ملعب. وتقع المنطقة بأكملها في اتجاه الانقلاب الصيفي (أي الشرق والغرب)، وتمر عبر القبائل العربية المتاخمة، وهي النبطائي (الأنباط)، والشولوطي (شاميون) ، والأجرائي (الهاجريين) [في صحراء النفود الحديثة، على طول حدود الأردن الحالية والعراق والسعودية]، وفوق هؤلاء الناس تقع الجزيرة العربية السعيدة (اليمن) ، وتمتد على مسافة 12000 ملعب باتجاه الجنوب إلى البحر الأطلسي “. (راجع هنا)

إقرأ أيضا:البربر عرق أم نسبة

وعليه فإن بلاد العرب كانت تشمل كذالك أجزاء في مصر ومعظم العراق وبلاد الأحواز والشام كلها حسب الجغرافي والمؤرخ اليوناني سترابون.

أرض العرب حسب سترابون راجع باقي الخريطة هنا

ويقول سترابون عند وصفه ممالك العرب كمملكة الأنباط قائلا ” وهي دولة كثيرة السكان وتزخر بالماشية”.

أما المؤرخ الروماني بلينوس الأكبر 20م، فيقول عن الجزيرة العربية : “ إن شبه الجزيرة العربية، التي لا تقل عن أي بلد في جميع أنحاء العالم، ذات اتساع هائل، تنحدر، كما ذكرنا سابقًا، من جبل أمانوس، باتجاه كيليكيا وكوماجيني؛ فقد هاجر كثير من الأمم العربية إلى تلك البلاد على يد دغرانس الكبير، بينما هاجر آخرون بمحض إرادتهم إلى شواطئ بحرنا وسواحل مصر، كما سبق أن ذكرنا..، وقد سبق أن ذكرنا شعوبها التي تمتد من بحرنا إلى صحاري تدمر (سوريا) “. (راجع هنا)

وبالتالي فإن بليني الأكبر يصف ضخامة بلاد العرب بأنها ذات إتساع هائل، وأن العرب شعوب عديدة تمتد مواطنها حتى صحاري تدمر بسوريا.

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في حديث صحيح أخرجه أبو داوود والترمذي : “وما سَبأٌ، أرضٌ أو امرأةٌ؟ قالَ (ص) : ليسَ بأرضٍ ولا امرأةٍ، ولَكِنَّهُ رجلٌ ولدَ عشرةً منَ العربِ فتيامنَ منهم ستَّةٌ، وتشاءمَ منهم أربعةٌ. فأمَّا الَّذينَ تشاءموا فلَخمٌ، وجُذامُ، وغسَّانُ، وعامِلةُ، وأمَّا الَّذينَ تيامنوا: فالأزدُ، والأشعرون ، وحِميرٌ، وَكِندةُ ومَذحِجٌ، وأنمارٌ،. فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللَّهِ، ما أنمارٌ؟ قالَ: الَّذينَ منهم خثعَمُ، وبَجيلةُ “. (راجع هنا/هنا/هنا)

ويستخلص من الحديث أعلاه أن أرض العرب هي من الشام لليمن، فأما الذين تشاءموا أي سكنوا الشام هم لخم وجدام وغسان وعاملة، بينما الذين تيامنوا أي سكنوا اليمن هم الأزدُ، والأشعرون، وحِميرٌ، وَكِندةُ ومَذحِجٌ، وأنمارٌ، وهو كما أكد المؤرخون القدامى سالفه.

وهذا قبل الإسلام، أما بعده فنجد العلامة العربي مؤسس علم الإجتماع إبن خلدون الحضرمي يقول عن كثرة العرب مصرحا : “وَاتَّفَقَ أَهْلُ اَلْعِلْمِ مِنْ قَبْلٌ وَمِنْ بُعْدٍ، أَنَّ أَكْثَرَ أُمَمِ اَلْبَشَرِ فِرْقَتَانِ : اَلْعَرَبُ وَالتُّرْكُ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَلِكُ اَلْعَرَبِ كَيْفَ كَانَ لِمَا اِجْتَمَعُوا فِي دِينِهِمْ عَلَى نَبِيِّهِمْ “. (راجع هنا)

ويقول أيضا في موضع أخر : “ وَقَدْ اِتَّفَقَ اَلنَّسَّابَةَ وَالْمُؤَرِّخُونَ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ أُمَمِ اَلْعَالَمِ فِرْقَتَانِ ، وَهْمًا : اَلْعَرَبُ وَالتُّرْكُ، وَلَيْسَ فِي اَلْعَالَمِ أُمَّةً أَوْفَرَ مِنْهُمَا عَدَدًا (راجع هنا)

أما الرحالة الأندلسي المغربي الحسن الوزان أو ليون الإفريقي عند الغرب، يقول أنه قرأ في مؤلفات مؤرخي إفريقيا أن جوهر قال للخليفة الفاطمي : “إن العرب قد تزايدوا كثيرا حتى إن جزيرتهم لم تعد قادرة على احتوائهم جميعا اليوم “.

ويقول صاحب سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب، أن العرب كانوا شعوبا، وهذه الشعوب تنقسم لقبائل، وهذه القبائل تشمل العمارة، وهذه العمارة تشمل عدة بطون، وهذه البطون تشمل عدة أفخاد، وهذه الأفخاد تشمل عدة فصائل. (راجع هنا)

عوامل إستيلاء العرب على بلاد المغرب

تنقسم العوامل التي ساهمت في إستيلاء العرب على بلاد المغرب إلى عوامل داخلية (أولا) وأخرى خارجية (ثانيا).

أولا : العوامل الداخلية

من أهم الأسباب الداخلية التي مهدت لإكتساح العرب لبلاد المغرب هو الحروب الداخلية، وما تبعها من أوبئة ومجاعات أدت إلى تقلص ديموغرافي هائل في بلاد المغرب، إضطر على إثره الموحدون إلى إستقطاب جموع العرب وتمكينهم من ولوج الجيش ومختلف وظائف الدولة وإستيطان معظم الاراضي، حتى يحافظ المغرب على إستقراره الديموغرافي.

ومن بين الحروب التي نشأت بين البربر نذكر الحرب بين المرابطين والمصامدة (برغواطة)، وبين المرابطين وزناتة، وبين الموحدين والمرابطين، وبين صنهاجة وزناتة.

فأما عن الحرب بين المرابطين والمصامدة والتي على إثرها أبيدت برغواطة عن بكرة أبيها، يقول ليون الإفريقي : “وهكذا أخذ عدد سكان تامسنا يتناقص إلى أن قضي عليهم نهائياً في ظرف عشرة أشهر . ويقدر عدد الهالكين بمليون نسمة رجالاً ونساء وأطفالاً. ورجع الملك يوسف اللمتوني إلى مراكش ليصلح من أمر جيشه ويهيئه لمهاجمة ملك فاس، بعد أن ترك تامسنا مأوى للأسد والذئاب واليوم ظلت تامسنا مهجورة مائة وثمانين سنة إلى الوقت الذي رجع المنصور من مملكة تونس وصحب معه بعض الفرق من قبائل العرب مع رؤسائهم وأسكنهم تامسنا “.

ويقول إبن خلدون الحضرمي : “واستمرّ أبو بكر وقومه من بعده على جهادهم حتى استأصلوا شأفتهم ومحوا من الأرض آثارهم “. (راجع هنا)

فالمرابطون ساهموا في ضعف النمو الديموغرافي للمغرب في بداية تأسيس دولتهم، فقد قتلوا من برابر مصمودة وزناتة ما لا يحصى كثرة.

يقول إبن حجر التميمي أنه بمجرد أن استولوا على سجلماسة، “ نكلوا بأهلها وقتلوا خلقاً كثيراً “ . وخلال الفتح الثالث لمدينة فاس سنة ٤٦٢ هـ ، يقول إبن أبي زرع “ قتلوا من مغراوة وبني يفرن ما يزيد على العشرين ألف شخص حتى اتخذت أخاديد لدفنهم جماعات “. (راجع هنا) كما نجم عن فتح مكناسة إفناء عدد كبير من سكانها كما قال الزياني. أما تادرات قرب ملوية، فبلغت شدة بطش الجيوش المرابطية بسكانها أنه كما قال إبن أبي زرع « لم يبق فيهم بقية ». (راجع ص56، هنا)

وأما عن الحروب بين المرابطين والموحدين يقول صاحب كتاب «الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية » : “ ويذكر أنه كان لطائفة المهدي من الموحدين على المرابطين في الحروب التي كانت بينهم نحو أربعين هزيمة، حتى كانت هذه عليهم، قتلوا فيها أجمعين، ولم ينج منهم الا نفر يسير، غزا المهدى منها بنفسه أربع غزوات، فتح الله فيها عليه وعلى الموحدين الذين كانوا معه “. (راجع هنا ص116)

فالموحدون أبادوا المرابطون ولم يبقى منهم إلا يسير، يقول إبن عذاري في «البيان المغرب» وهو يتكلم عن حروب الموحدين والمرابطين : “أيدي الموحدين فتحاً عظيماً بشرقي تلمسان هزم الموحدون عساكر من عساكر تاشفين كانت خرجت لبلاد زناتة فكانت الوقيعة فيهم من أكبر الوقائع استأصلت أكثرهم فضرب عبد المؤمن الطبول في مجلسه بأعلى الجبل وكان الوالي على تلمسان أبو بكر بن مزدلي اللمتوني“. (راجع هنا)

ويقول المؤرخون “وعمل الموحدون على قتل كل من وجدوه من أولاد المرابطين“. (راجع هنا)

وسياسة الموحدين كانت متشددة تجاه البربر خاصة فكلما خالفو الدولة كان العقاب القتل الجماعي، يقول لنا أبو القاسم الزياني في كتابه 《 الترجمانة الكبرى 》عن سياسة الموحدين تجاه رعية الدولة ما نصه ؛ ” وسياسة البربر هي ما أوصى به عبد المومن بن علي ولده يوسف العسري لما كتب له ولاية العهد ، قال له : عقوبة العرب المال وعقوبة البربر القتل ، فإياك أن ترفع السيف عن البربر، وترفع المال عن العرب، فلا يستقيموا الا على هذا المنوال ” (راجع الصفحة 71 هنا)، وقد إرتكب الموحدون تطبيقا لهذه السياسة عدة إبادات في حق قبائل البربر ولعل أهمها ما نذكره كالتالي :

● عن إبادة الموحدين لسكان مدينة سلا عند فتحها يقول إبن عذاري المراكشي “ فتحها على يد رجل يسمى يبورك وابنيه محمد وعلى، وذلك أنهم أرسلوا إلى الموحدين فوصلوهم ليلا وصنعوا السلالم فصعدوا بها على السور، وقتلوا كل من وجدوه على السور، ودخلوا سلا، ووجدوا فيها أناسا، وهرب آخرون فى حلق الوادى فرجع عليهم فغرقوا، فعيَّد فيها عبد المومن عيد الأضحى، وولى عليها عبد الواحد الشرقى، وأقامت سلا على طاعة الموحدين “. (راجع هنا)

● وعن إبادة الموحدين لسكان مراكش يقول إبن الاثير الجزري 1160م : “ ولما قتل عبد المؤمن من أهل مراكش فأكثر فيهم القتل اختفى كثير من أهلها، فلما كان بعد سبعة أيام أمر فنودي بأمان من بقي من أهلها، فخرجوا، فأراد أصحابه المصامدة قتلهم، فمنعهم، وقال : هؤلاء صناع، وأهل الأسواق من ننتفع به، فتركوا، وأمر بإخراج القتلى من البلد، فأخرجوهم، وبنى بالقصر جامعاً كبيراً، وزخرفه فأحسن عمله “. (راجع هنا)

● وعن إبادة الموحدين لسكان دكالة يقول إبن الأثير الجزري 1160م : “ وفي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة : سار بعض المرابطين من الملثمين إلى دكالة، فإجتمع إليهم قبائلها، وصاروا يغيرون على أعمال مراكش، وعبد المؤمن لا يلتفت إليهم، فلما كثر ذلك منهم سار إليهم سنة أربع وأربعين، فلما سمعت دكالة بذلك انحشروا كلهم إلى ساحل البحر في مائتي ألف راجل وعشرين ألف فارس، وكانوا موصوفين بالشجاعة.

وكان مع عبد المؤمن من الجيوش ما يخرج عن الحصر، وكان الموضع الذي فيه دكالة كثير الحجر والحزونة، فكمنوا فيه كمناء ليخرجوا على عبد المؤمن إذا سلكه، فمن الإتفاق الحسن له أنه قصدهم من غير الجهة التي فيها الكمناء، فانحل عليهم ما قدروه، وفارقوا ذلك الموضع، فأخذهم السيف، فدخلوا البحر، فقتل أكثرهم، وغنمت إبلهم وأغنامهم وأموالهم ، وسبي : نساؤهم وذراريهم “. (راجع هنا)

● وعن إبادة الموحدين لسكان السوس يقول إبن القطان الفاسي 1167م في كتاب «نظم الجمان» : “ وأن الموحدين أعزهم الله تعالى لما استولوا على بلاد السوس من أوله إلى آخره، من فوقه إلى أسفله، فقتل أهله، وانجلى من لم يقتل منهزمين إلى كل أفق مما حواليه من هنكيسة وجزولة، وبعضهم قد انحصر مع الملثمين بتيونوين، فكان آخر هزائمهم التي هزمهم الموحدون أعزهم الله تعالى فيها هي الهزيمة التي قتل فيها توجين ؛ ثم قنطوا من سوس ويئسوا منه، فانقبضوا بتيونوين في ذل وخزي ورعب، لا يستطيعون حيلة، ولا يقدرون على حركتهم، والحمد لله الذي أظهر ضعفهم، وأخذهم بسوء فعلهم …“.

● وعن إبادة ما بقي من برابر السوس والملثمين (مرابطين) يضيف إبن القطان مؤرخ البلاط الموحدي : “.. فبادروا إلى النزول في بلادهم، فميزنا عسكراً مباركاً من خيل ورجل، فخرجوا إلى ناحية تارودانت، وبعثنا تلك الليلة سرية إلى أسفل السوس، فوجدوا بلاد المجسم معمورة قد سكنوا بأهاليهم ومواشيهم، فقتلوهم وغنموا أموالهم بقرا وغنماً ودواب وعبيداً، وسبوا ذراريهم وأهاليهم، ورجعوا سالمين غانمين. ثم بعثنا سرية أخرى في الليلة التي تليها إلى بقية تلك الناحية، أعني أسفل السوس، فقتلوا مقتلة أكثر من الأولى، وغنموا أكثر مما غنم أصحابهم. وأما العسكر فقصدوا إلى تارودانت حتى دخلوها، فوجدوا البقية التي رجعت إليها هاربين قد بعث إليهم الملثمون المحصورون بتيونوين حين عاينوا عسكر الموحدين أعزهم الله تعالى قد أقبل إليهم فقالوا لهم : انجوا بأنفسكم ! قد غشيكم عسكر الموحدين أعزهم الله تعالى، فهربوا إلا بعض من كان في أطراف البلد مثل تاجندويت ورقالة، فقتل الموحدون من وجدوا “. (راجع الكتاب هنا)

وإلى جانب هذه الحروب التي أبيد على إثرها غالب البربر، فقد تعاقبت فترة الحروب كذالك إنتشار أوبئة جعلت المغرب يعاني نقصا ديموغرافيا كبيرا، فقد فتك الطاعون في عهد الموحدين بأغلب سكان المغرب، ويخلص من خلال ما قاله إبن عذاري وإبن خلدون أن هذه الأوبئة جعلت فراغا سكانيا في المغرب : “وفي سنة ( 571 هـ / 1175م) عم الطاعون الشديد أرض المغرب الاقصى وكان فتاكاً قتل من العوام الكثير حتى بلغ عدد الضحايا كل يوم مائتي شخص ضاق بهم المسجد الجامع في مدينة مراكش فأمر الخليفة الموحدي ابا يعقوب يوسف بن عبد المؤمن أن يصلى عليهم بسائر مساجد المدينة، ولحق المرض بسادات الموحدين وحاشية الخليفة حتى فني معظم رجال الحاشية والخدم “. (راجع هنا)

وعليه نخلص من خلال ما ورد أعلاه أن إدخال العرب للمغرب من طرف الموحدين وإستيطانهم معظم أراضيه، لم يكن لا عقابا ولا غزوا بل كان ضرورة ديموغرافية للحفاظ على إستقرار البلاد وتحصينها من إحتلال الغزاة، إذ كان المغرب يعرف فراغا سكانيا كبيرا جدا.

يقول المؤرخ الدكتور نبيل ملين في هذا : “ الأوبئة التي أصابت المغرب مند القرن 12م، كان لها مخلفات كبيرة، فعلى سبيل المثال طاعون 1179م سبب في إخلاء جميع سهول المغرب، مما جعل الخليفة الموحدي يضطر لإعمارها بالعرب الذين جلبهم من شرق الإمبراطورية، وهم بنو هلال وبنو سليم. وفي سنة 1348م إنتشر الطاعون الجارف أو الاسود في المغرب، وحصد قرابة نصف سكان المغرب، وقد شكل هذا فراغا ديموغرافيا حادا، مما مهد لدخول عناصر بشرية جديدة من الجنوب ويتعلق الأمر بقبائل بني معقل “، التي إكتسحت بلاد المغرب كما قال إبن خلدون. (راجع هنا)

ثانيا : العوامل الخارجية

تتجلى هذه العوامل في الحروب التي خاضها البربر مع باقي الشعوب أبرزها العرب وما تبعها من إباداة، ولعل أبرز هذه الحروب معركتي القرن والأصنام بقيادة حنظلة بن صفوان الكلبي، والتي إنتقم فيها الأمويين والعرب من البربر وقضوا نهائيا على ثورتهم وأعادو سلطتهم على بلاد المغرب، يقول الناصري في الإستقصا :“ ولم يزل حنظلة على المغرب في أحسن حال إلى أن طرق الخلل الخلافة بالمشرق، وخفت صوتها لما حدث في بني أمية من فتنة الوليد الفاسق “.(راجع هنا)

وقيل في حق المعركة هذه كما أجمع المؤرخون وأهل العصر بالتواتر بنفس القول: “ لم يقتل بالمغرب أكثر من هذه القتلة، فإن حنظلة أمر بإحصاء القتلى، فعجز الناس عن ذالك “. وقال إبن عذاري المراكشي في كتابه البيان المغرب في أخبار المغرب نقلا عن إبن عبد الحكم والنويري وإبن خلدون والرقيق القيرواني  ” وقيل ما علم في الأرض مقتلة كانت أعظم منها ” وروى أن الليث بن سعد كان يقول : « ما غزوة كنت أحب ان اشهدها بعد غزوة بدر أحب إلى من غزوة القرن والاصنام ». (راجع وقائع المعركة هنا/راجع هنا/هنا/هنا/هنا)

ويساق الكلام كذالك إلى الحروب التي دارت بين بني هلال وباقي عرب التغريبة والبربر، بحيث هزم بنو هلال جموع البربر وإستولوا على بلاد المغرب كلها كما أجمع المؤرخون، فيقول إبن خلدون : “ سنة سبع وستين وسبعمائة هبـت مـن يومئذ ريح العرب، وجاش مرجلهم على زناتة ووطئوا من تلول بلادهم بالمغرب الأوسط ما عجزوا عن حمايته، وولجوا من فروجها مـا قصروا عن سده، ودبـوا فيهـا دبيـب الظـلال فـي الفيـوء، فتملكـت زغبـة سـائـر الـبلاد بالإقطـاع عـن السلطان طوعـاً وكرهـا رعيـاً لخدمته، وترغيباً فيها وعـدة وتمكينـا لقوته حتى أفرجت لهم زناتـة عـن كثيرهـا، ولجأوا إلى سيف البحر “. (راجع هنا)

وعن تقلب أحوال المغرب ديموغرافيته قال إبن خلدون “وأما لهذا العهد وهو آخر المائة الثامنة فقد انقلبت أحوال المغرب الذي نحن شاهدوه وتبدلت بالجملة واعتاض من أجيال البربر أهله على القدم بما طرأ فيه من لدن المائة الخامسة من أجيال العرب بما كسروهم وغلبوهم وانتزعوا منهم عامة الأوطان وشاركوهم فيما بقي من البلدان“. (راجع هنا)

كثرة العرب في بلاد المغرب

إن دخول العرب أول مرة لإفريقيا كما أسلفناه كان قبل الإسلام حسب ما قاله أهل العصر من المؤرخين، وقد أعاد العرب خط هجرتهم من الجزيرة العربية لبلاد المغرب في فترات الفتح الإسلامي وما بعده وفي هذه الفترة ستعرف بلاد المغرب أكبر هجرة عربية في التاريخ مما سيغير الخريطة الديموغرافية لبلدان شمال إفريقيا وسيؤدي لتعريبها بشكل تام، ولعل أهم ما ساهم في توطيد العرب أياديهم على بلاد المغرب قوة شكيمة العرب، وقلة السكان لكثرة تناحرهم فيما بينهم كما سبق وأسلفنا، بحيث أباد المرابطون والموحدون برغواطة، وقامت بين صنهاجة وزناتة حروب عظيمة فنى فيها كثير من البربر (راجع هنا)، ناهيك عن المعارك الطاحنة التي أباد فيها العرب من البربر ما لا يحصى كثرة، أهم هذه المعارك معركتي القرن والأصنام التي إنتقم فيها الأمويين والعرب من خيانة الأشراف وبقدورة، قيل عن هذين المعركتين تواترا بين المؤرخين “ما علم في الأرض مقتلة كانت أعظم منها“. (راجع هنا للمزيد)

وسنقتبس في هذه الفقرة أقوال المؤرخين المعاصرين لهجرة العرب لبلاد المغرب على سبيل المثال لا الحصر.

أولا :  الرقيق القيرواني (1029م)، يقول عن هجرة العرب لبلاد المغرب : “ فالعنصر العربي دخل بلاد المغرب في صورة جيوش فاتحة، وقد استقر رجال هذه الجيوش في نواحي المغرب كله بعد إتمام الفتح، ولحقت بهم جماعات أخرى من الجند والمهاجرين العرب مع استمرار حركة الفتح، وكانت نتيجة ذلك قيام مجتمعات عربية صغيرة معظمهم في المدن والمعسكرات، ومن هذه المراكز بدأوا ينتشرون في نواحى البلاد“. (راجع هنا)

ثانيا :  الحسن الوزان الملقب (بليون الإفريقي)، يقول عن هجرة العرب لبلاد المغرب من خلال ما إستطلعه من كتب مؤرخي إفريقية : “ في عهد المستنصر الفاطمي اجتاز البلاد (شمال إفريقية) قرابة عشر قبائل، أي نصف سكان جزيرة العرب المقفرة. و كان من بينهم أيضا بعض من أفخاذ قبائل اليمن“. (راجع هنا)

ثالثا : ابن صاحب الصلاة (ت 1197م)، مؤرخ الدولة الموحدية، الذي قال عنه عبد الوهاب التازي محقق مخطوطه « وأخذ الثقات من كبار المؤرخين، وهو من الدقة بحيث يذكر الأحداث بأيامها في نطاق الأسبوع، وتاريخها في نطاق الشهرين العربي والعجمي، والسنتين الهجرية والميلادية».

يقول إبن صاحب الصلاة عن كثرة العرب الذين أذخلهم عبد المؤمن الموحدي أرض المغرب في كتاب المن والإمامة بالمستضعفين : “ وقد استاق الخليفة عبد المؤمن، من العرب من رياح وبني جشم وبني عدي من بني هلال وقبائلهم ما يضيق بهم الفضا ونافسوا الحصى والذباب في كثرته “. (راجع هنا)

رابعا : يقول إبن عذاري المراكشي عن كثرة عرب الخلط وهم مجرد فرع من بني جشم الداخليين للمغرب على عهد الموحديين والذين سيكونون أساس الجيش في عهد المرينيين ما نصه : ” وحق لمن اغتر مثل غروره أن يختل عقله، فإن الأرض كادت أن تهتز لوطأته، والجبال تميد لسطوته، فإن إخوانه الخلط كانوا أزيد من اثني عشر ألفاً من الفرسان ومعهم من الأتباع المنقادين والحشود مثلهم، وأما رجلهم فالجراد المنتشر لا يحصي عددهم إلا خالقهم “. (راجع هنا)

خامسا : إبن خلدون الحضرمي، يصف هول عدد العرب الذين دخلوا بلاد المغرب قائلا : “ سارت … جميع بطون هلال إلى إفريقيا كالجراد المنتشر لا يمرون بشيء إلا أتوا عليه حتى وصلوا أفريقية سنة 443هـ “. (راجع هنا)

ويقول إبن خلدون في موضع أخر واصفا أحول بلاد المغرب في زمانه أواخر القرن 8 هجري : “ وأما لهذا العهد وهو آخر المائة الثامنة فقد انقلبت أحوال المغرب الذي نحن شاهدوه وتبدلت بالجملة واعتاض من أجيال البربر أهله على القدم بما طرأ فيه من لدن المائة الخامسة من أجيال العرب بما كسروهم وغلبوهم وانتزعوا منهم عامة الأوطان وشاركوهم فيما بقي من البلدان لملكهم هذا إلى ما نزل بالعمران “. (راجع هنا)

وعن قبيلة بني معقل التي ستكتسح المغرب كله في زمانه يقول إبن خلدون : “هذا القبيل لهذا العهد من أوفر قبائل العرب ومواطنهم بقفار المغرب الأقصى مجاورون لبني عامر من زغبة في مواطنهم بقبلة تلمسان، وينتهون إلى البحر المحيط من جانب الغرب، وهم ثلاثة بطون: ذوي عبيد الله وذوي منصور وذوي حسان. فذوي عبيد الله منهم هم المجاورون لبني عامر ومواطنهم بين تلمسان وتاوريرت في التل وما يواجهها من القبلة. ومواطن ذوي منصور من تاوريرت إلى بلاد درعة فيستولون على ملوية كلها إلى سجلماسة وعلى درعة وعلى ما يحاذيها من التل مثل تازة وغساسة ومكناسة وفاس وبلاد تادلا والمقدر. ومواطن ذوي حسان من درعة إلى البحر المحيط، وينزل شيوخهم بلاد نول قاعدة السوس فيستولون على السوس الأقصى وما إليه، وينتجعون كلهم في الرمال إلى مواطن الملثمين من كدالة مستوفة ولمتونة“. (راجع هنا)

ويضيف إبن خلدون عن سبب كثرتهم الهائلة موضحا : “وكان دخولهم إلى المغرب مع الهلاليين في عدد قليل..، وإنما كثروا بمن اجتمع إليهم من القبائل من غير نسبهم فإن فيهم من فزارة من أشجع أحياء كبيرة، وفيهم الشظة من كرفة والمهاية من عياض، والشعراء من حصين والصباح من الأخضر ومن بني سليم وغيرهم “. (راجع هنا)

وهو ما فسره الشيخ محمد الإمام بن ماء العينين قائلا : “ثم إلتحق أحياء من هذه المعاقل الثلاث التي ذكرنا ببني سليم وبني هلال زمنهم بالصعيد فجمعتهم الدار وإتحاد الإسم فصار يطلق عليهم جميعا عرب معقل والأكثر من الناس لا يميز بين هذه المعاقل فيجعلهم معقلا واحدا. (راجع هنا)

سادسا : العلامة لسان الدين بن الخطيب ذو الوزارتين ؛ يقول في بيت شعري فصيح عن كثرة العرب في بلاد المغرب الأقصى عندما زاره في رحلته الشهيرة ؛

سابعا ؛ القلشقندي أبو العباس 1355م، يقول عن إنتشار العرب في بلاد المغرب : “واقتسم العرب بلاد إفريقية في سنة ست وأربعين وكان لزغبة طرابلس وما يليها ، ولمرداس بن رياح باجة وما يليها. ثم اقتسموا البلاد ثانيا ، وكان لهلال من قابس إلى المغرب، وهم رياح وزغبة والمعقل وجشم وترنجة والأسيح وشداد والخلط وسفيان “. (راجع هنا)

ثامنا : الرحالة الأندلسي الحاج عبد الله بن الصباح (القرن 8هـ)، يقول في كتابه نسبة الأخبار وتذكرة الأخيار، واصفا بلاد بني مرين وبلاد بني عبد الواد :“وعلى بلاد بني مرين وعبد الواد قبائل المعقل أعراب كثيرو الخيل والرجال. وعلى بلاد عبد الواد قبائل بني عامر الكرام الأجواد أصحاب كثرة العدد، وقبائل بنو يعقوب، وسويد، وحسين، ورياح المعروفون بكثرة النجوع والخيل والرجال وكثرة العدد “. (راجع هنا)

تاسعا : يقول ابن سعيد الأندلسي 1214م واصفا كثرة أعقاب آل منصور بن عكرمة وحدها في إفريقيا : “ إذا نادت العرب: يآل منصور! بأفريقية، يقال: إنها تجتمع في مائة ألف فارس. ولهم هنالك عز وثروة، وتحكم على البلاد والعباد. وهم من صعيد مصر إلى البحر المحيط قد عمروا مسافة نصف المعمورة؛ ولا نعلم في الشرق ولا في الغرب للعرب جمجمة أعظم منها .“ (راجع هنا)

وعن عرب هلال قال أيضا : “فأما هلال بن عامر رهط حميد بن ثور الشاعر فافترقوا على جذمين عظيمين زغبة ورياح، وهما بالمغرب في عدد كثير، ولا ذكر لهما بالمشرق “. (راجع هنا)

عاشرا : يصف صاحب كتاب سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب، عن كثرة بنو عوف في بلاد المغرب : “ بنو عوف بطن من بهتة من سليم. قال الحمداني : ومنهم في الصعيد والفيوم والبحيرة اناس كثيرون. وفي برقة إلى المغرب منهم ما لا يحصـو. قال في العبـر : وديارهم في المغرب فيها بين قابس وبلد العناب من افريقي. قال : وينقسمون الى فرعين مـرداس وعـلاف انتهى“.

إحدى عشر : يصف المؤرخ القشتالي برودينسيو دي ساندوفال {1553م} كثرة العرب الذين نزحوا إلى بلاد المغرب بعد سقوط الأندلس قائلا : “ وخرج بعض اللوردات والقبائل من الأندلس. كان هناك الكثير من العرب يسيرون على الأقدام وعلى ظهور الخيل يغطون الحقول، وكان عددهم كبيرًا لدرجة أنهم لم يروا بعضهم البعض معًا من قبل…، وأحضروا معهم عدداً كبيراً من الإبل والجمال…، وجاءت نساء العرب اللاتي يقاتلن كثيرًا بالماء وغيره من المرطبات ليقدمنها لأزواجهن، وقد تعبوا في القتال، وبجهد شديد “. (راجع هنا)

إثنى عشر : المؤرخ التونسي حَسَن حُسْني بن صالح بن عبد الوهاب بن يوسف الصمادحي التجيبي (1301هـ /1884م)، يقول في كتابه «مجمل تاريخ تونس»، عن كثرة العرب الداخلين في أول التغريبة : “ جموع بني هلال وسليم، التي قاتلت المعز بن باديس، كانت تناهز أربعمائة ألف، وأن المعركة التي هزم بها نشبت قرب جبل «حیدران» ، في الجنوب الشرقي من المملكة التونسية الآن، على الجادة الكبرى بين قابس والقيروان، في المكان المعروف اليوم بودران“. (راجع هنا)

يقول وليام مارسيه أن عدد القبائل الهلالية التي هاجرت لبلاد النغرب يقدر بمليون شخص منهم المحاربون والنساء والأطفال والشيوخ. (راجع هنا)

وقد لعبت الهجرة العربية الكبيرة هذه كما سلف المؤرخون، نتائج مهمة أبرزها تعريب بلاد المغرب، وهذا ما أكده المستشرق البريطاني جون سبنسر ترمنجهام الذي قال في كتابه «الإسلام في إثيوبيا» : ” تعريب شمال إفريقيا تم بهجرة قبائل عربية كاملة، وانتشر البدو منها في السهول”. (هنا)

المراجع الأجنبية وكثرة العرب في المغرب

تطرقت الكثير من المراجع الأجنبية لكثرة العرب في بلاد المغرب، ونأخد منها على سبيل المثال :

أولا : كتاب : « المجتمعات الإسلامية حتى القرن التاسع عشر»، الصادر عن جامعة كامبردج لمؤلفه إيرا ام لابيدوس (Ira M. Lapidus)، يقول : “ في القرن الحادي عشر، أدت غزوات البدو الرحل، بنو هلال العرب من الشرق والمرابطين من جنوب المغرب، إلى تغيير الجغرافيا السياسية والدينية والثقافية لشمال إفريقيا وإسبانيا.

فقد هزم بنو هلال وبنو سليم القادمون من الجزيرة العربية ومصر، ولايتي الزيريين، والحماديين، كما سيطروا على السهول، واضطر السكان المستقرون في تلك مناطق إلى اللجوء للجبال، في وسط وشمال تونس، ولاحقًا في الجزائرو والمغرب“. (راجع هنا )

ثانيا : كتاب «مجمع تاريخ إفريقيا» الصادر عن منظمة اليونيسكو، ورد فيه الصفحة 89 :

“ من أهم التطورات في عهد المرينيين تزايد أهمية العرب في المغرب ، فقد سبق للعرب أن وفدوا  للمغرب بعدد كبير في عهد الموحديين وساهموا في تغيير البلاد وطابعها البربري. وقد كانت سياسة بني مرين تجاه العرب يمليها الضعف العددي لأتباعهم من زناتة مقابل العرب، لذلك رحبوا بدعم العرب لهم، وهذه الظروف ساهمت في وفود قبائل عربية أخرى وتوسع النطاق العربي في المغرب، حيث استقر معظمهم في السهول، وأصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد“. (هنا)

ثالثا : كتاب «إفريقيا: موسوعة التجربة الأمريكية الأفريقية»، الصادر عن جامعة أوكسفورد البريطانية، من تأليف الدكتور كوامي أنتوني أبيا  والدكتور هنري لويس جيتس جونيور، جاء في الصفحة 360 :

“في القرن الحادي عشر، بدأت قبائل بنو هلال وبنو سليم، وهما قبائل بدوية عربية الأصل من الجزيرة العربية، في الهجرة غربًا من مصر العليا إلى الأرض المسماة إفريقية (تونس الحالية وشرق الجزائر). استقروا في المناطق التي تضم الآن ليبيا والجزائر وتونس وبعد ذلك المغرب. ويشير المؤرخون إلى حركة “الهلاليين”، كما عُرفوا إجمالا، على أنها لحظة حاسمة في “تعريب” شمال إفريقيا، وصلت لما يفوق 200 ألف فرد“. (راجع هنا)

توزيع العرب في المملكة المغربية

جاء في مجلة “L’Année géographique“ الجزء 14 المنشورة سنة 1878م، عن توزيع العرب في جغرافية المغرب :

“ المنطقة الساحلية الواقعة بين ميناء العريش شمالًا ورأس تاجريولت أو رأس سيم جنوبًا تنتمي إلى ست مقاطعات في الإمبراطورية (المغربية)، وقد قدم لنا السيد بوميير (Auguste Beaumier) معلومات موجزة قيمة للغاية عنها. الأولى على الجانب الشمالي هي منطقة الغرب، وهي بلد من السهول يسكنها العرب الذين يربون الماشية ويحصدون الكثير من الصوف ويزرعون الحبوب أيضًا، وتشكل قبيلتان كبيرتان فيها العديد من القيادات السياسية.

ثم تأتي ولاية الشاوية، التي تتمتع تربتها الوعرة بسقي كافٍ. وسكانها من العرق العربي أيضاً، ويبلغ عددهم 180 ألف نسمة، ينقسمون إلى 15 قبيلة تشكل أربعاً وعشرين قيادة سياسية. ثم ولاية دكالة بلد من السهول خالية من الأشجار، يندر فيها الماء، ويبلغ عدد سكانها وهم من العرق العربي، نحو 100 ألف نسمة…، الاهتمامات الرئيسية لهؤلاء العرب هي زراعة الحبوب، أو الحناء، وكذلك تربية الماشية والنحل.

وإلى الجنوب من هذه الولاية تبدأ ولاية عبدة، حيث تتناوب السهول الكبيرة مع التلال، وفيها ميناء صافي، وهو رابطها الرئيسي، ينتمي سكان محافظة عبدة البالغ عددهم 128.000 نسمة إلى أربع عشرة قبيلة عربية مقسمة بين أمرين (قائدين) ؛ يزرعون الحبوب ويربون الخيول.

وإقليم شياظمة، جنوب الولاية السابقة..، ويوجد بها سهول وتلال، ويسكنها تسع قبائل من العرق العربي، منتجاتها الرئيسية هي زيت الأركان وزيت الزيتون والحبوب وجلود الماعز. وأخيرا، الولاية الأخيرة في الجانب الجنوبي هي ولاية حاحا، وهي بلد جبلي للغاية، وينقسم سكانها وهم من العرق البربري حصرا إلى 12 قبيلة “. (راجع هنا)

كما أن تواجد العرب في المغرب يشمل كذالك مناطق الصحراء المغربية التي يحتلها عرب المعقل في جلها، ثم جهة الشرق التي يوجد فيهل قبائل بني عامر وبني كيل المعاقلة وغيرهم كثير كما سبق وطرحنا في مقالنا القبائل العربية في المغرب.

يقول الدبلوماسي البريطاني المغربي جيمس جراي جاكسون، عن جهة الجنوب التي تشمل الصحراء المغربية : “من سانتا كروز (أكادير)، إلى بوجدور على طول الساحل… يسكنه جميعا قبائل متنوعة من العرب “. (راجع باقي المعلومات هنا)

___________________________

راجع أيضا :

✅ مقال جينات المغاربة العرب هنا.

✅ مقال القبائل العربية في المغرب هنا.

✅ مقال ديموغرافية المغرب عبر التاريخ هنا.

السابق
الدارجة المغربية : مضَعضَع
التالي
إنسان إيغود والبشر المعاصرين

اترك تعليقاً