تاريخ وأحداث

السكان الأصليين لبلاد المغرب بين الحقيقة والخرافة

السكان الأصليين لبلاد المغرب بين الحقيقة والخرافة

من بين الخرافات التي إكتست طابع الحقيقة واليقين خرافة أن السكان الأصليين لشمال إفريقية هم البربر، حتى أن الفرضيات حولهم تفاقمت لدرجة أن قيل أنهم نبثوا مع الأشجار في شمال إفريقيا بل هناك من زعم أنهم سكان هذه المنطقة قبل أدم عليه السلام، وهذا طبيعي مادام الأساس باطلا فما يبنى عليه يكون باطلا، فأي باحث في التاريخ بعودته للمؤلفات التاريخية اليونانية والرومانية، سيتأكد أن شمال إفريقيا هي بلد تعددت فيه الشعوب والأعراق ولاوجود لشعب خاص كان يملك المنطقة كما هو مزعوم، وهذا ما سنتطرق له في مقالنا للتنوير وكشف اليقين من التاريخ.

إن أول كتاب يؤرخ ويعطينا توضيحا عن سكان شمال افريقيا الأولون كان “ تاريخ هيروديت” ، حوالي 400 ق. م، قال هيروديت في كتابه واصفا الشعوب التي تقطن في شمال إفريقيا :

“ساكنة شمال افريقيا تنقسم لأربعة شعوب : ليبيون وفينيقيين وإيثيوبيون وإغريق ” .

Ancient History Sourcebook: Herodotus (c.490-c.425 BCE): On Libya, from The Histories, c. 430 BCE, Book IV.42-43

وقد قسم هيروديت هاته الشعوب لصنفين إعتبر الليبيين والإيثيوبيين صنفا أصليا وإعتبر الفينيقيين والإغريق صنفا وافدا إحتل البلاد وعمرها.

إقرأ أيضا:قبيلة اولاد مساعد بزاكورة

بعد هيروديت (أبو التاريخ)، أتى مؤرخ أخر أعطى وصفا أكثر دقة لسكان شمال إفريقيا وهو ساللوستيوس حوالي 86 ق. م، فقال في كتابه، ( الحرب  اليوغرطة ) أن الشعوب التي كانت تستوطن شمال إفريقيا هي كثيرة أهمها : الفينيقيون والليبيون والجيتول والفرس.

ويضيف لنا ساللوستيوس حول هوية شعب النوميد الذي برز في تلك الحقبة قائلا  : ” لقد اختلط هؤلاء [ الفرس] تدريجياً مع الجايتول Gaetuli عن طريق الزواج ، ولأنهم كانوا يتنقلون من مكان إلى آخر ليجربوا خصوبة الأرض فلقد سموا أنفسهم نوميداى النوميديين/ ‏Numidae‏  ” .

وعليه يمكن القول أن سالوست أعطى وصفا أكثر دقة من هيروديت للشعوب التي قطنت بلاد المغرب قديما وصفاتها، كما أنه أوضح مناطق تواجدها.

بعد سالوست، سيظهر مؤرخ جديد مجددا وهو سترابون الجغرافي الروماني الذي عاش حوالي 64 ق. م ، سيوفر لنا سترابو تفسرا أكثر دقه عن سالفيه، وسيقدم فكرة عن الشعوب التي قطنت شمال إفريقيا في حقبته وأماكن تواجدهم، بداية بالمور (moor) أو موروسي كما أسماهم، فيقول عن هوية هذا الشعب الماوري  :

إقرأ أيضا:الحضارة الفينيقية بشمال افريقيا

“موري أو موروسي أناس كثيرون وأثرياء وهم هنود جاءوا مع هرقل “.

راجع كتاب: The Penny Cyclopaedia of the Society… Volume 3, p429

وإلى جانب المور ذكر سترابون، شعب الجرمنتيين وقال أنه يستوطن فزان (ليبيا)، أما سكان ماوراء جبل أطلس إلى الجنوب الشرقي فسماهم الجيتول. أما الفينيق العرب فكانو يستوطنون قرطاج ويمتد وجودهم على طول الساحل إلى موريتانيا.

ويظهر لنا من خلال ما أسلفنا أن شمال إفريقيا إستوطنت من قبل شعوب عدة، ولا وجود لشعب أصلي كما يزعم أهل الهرطقة والخرافة الفرنسية في وقتنا هذا، بل إن الحقيقة التي يغفلها العامة غزو الوندال لشمال إفريقيا، هذا الغزو سيؤدي لإبادة جميع سكان وشعوب هذه البلاد حيث كان غزو الوندال أشبه بجحيم يحرق الاخضر واليابس هكذا شبهه مؤرخو العصر ومن تلاهم .

فمتى كان غزو الوندال وماهي آثاره على شمال إفريقيا ؟

تذكر المصادر المعاصرة بالتواتر أن غزو الوندال وقع في حكم الإمبراطور الروماني هونوريوس (Honorius) حوالي 424م، كان الفندال (Van- dals) قد إستقروا في جنوب إسبانيا  بداية، فلما تكاثروا وعلموا بضعف الإمبراطور دعا ملكهم ، جينسيريك ، إلى غزو شمال إفريقيا، بتأييد من الكونت بونيفاس  (Count Boniface)، الحاكم الروماني ، الذي ثار ضد الإمبراطور هونوريوس.

إقرأ أيضا:حرب شربوبة أو حرب الثلاثين سنة بالصحراء المغربية

فلما دخلو هذه البلاد كانو أشبه بياجوج ومأجوح إرتكبوا أفضع وأبشع الجرائم هذموا كل بناية وخربوا كل مدينة وابادو شعوب المنطقة عن بكرة أبيهم، فأصبحت البلاد خرابا.

جاء في موسوعة بيني الأمريكية لنشر المعرفة المجلد الثالث الصفحة 429 :

” في ظل حكم هونوريوس الضعيف والمبذر ، انتقل الفاندال الذين استقروا في جنوب إسبانيا إلى إفريقيا ، 428 م ، دعا ملكهم ، جينسيريك… ، إحتل الفاندال الجزء الأكبر من شمال إفريقيا ، حيث ارتكبوا أفظع الأعمال الوحشية ، وقاموا ، إلى حد كبير بتطهير البلاد من سكانها السابقين “.

 The Penny Cyclopaedia of the Society… Volume 3, p429

  وفي نفس السياق جاء في الموسوعة الإنجليزية المجلد الاول، ص879 :

“في عهد هونوريوس الفندال الذين إستقروا في جنوب إسبانيا، غزوا شمال إفريقيا سنة 428م بدعوة ملكهم جينسيريك، بدعم من الكونت بونيفاس الروماني، فقاموا بأفضع الأعمال الوحشية، وطهروا البلاد من سكانها السابقيين “.

The English Cyclopaedia, Part 1, Volume 1 ,page 879

وعليه فإن السكان الذين بقوا مستوطنيين لشمال إفريقيا بعد الغزو هم الوندال وأقليات هاربة من السكان الأصليين تذكر المراجع أنهم هلكوا بالجوع بعدما أحرق الوندال المحاصيل والحيوانات، وقذ حكم خلفاء جينسيريك لمدة قرن تقريبا، حتى زمن الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول (Justinian I)، الذي أرسل القائد بيليساريوس (Belisarius) لإعادة احتلال البلاد فهزمهم ورجعت البلاد لحكم البيزنط وإستمرت الإمبراطورية البيزنطية في شمال إفريقيا حتى قدوم العرب الفاتحيين.

جاء في الموسوعة الإنجليزية نفس المرجع أعلاه  :

” حكم خلفاء جينسيريك شمال إفريقيا لمدة قرن تقريبًا حتى زمن جستنيان، الذي أرسل بيليساريوس لإعادة احتلال البلاد. هزم بيليساريوس الفاندال وجعل ملكهم جيلمر أسيرًا . وقد احتفظت إفريقيا منذ ذلك الوقت بالإمبراطورية البيزنطية حتى منتصف القرن السابع تقريبًا ، عندما فتح المسلمون من مصر برقة الأولى وبعد ذلك أفريقيا، واجتاح عقبة بن نافع ، لواء معاوية ، نوميديا ​​وموريتانيا حتى المحيط الأطلسي “.

وعلى نفس المنوال يذكر مرجع أوكسفورد لعلم الأثار ص251 :

” في عام 428م ، عبرت مجموعة من الفاندال مضيق جبل طارق واستولت بسرعة على ساحل شمال إفريقيا . في غضون العامين التاليين ، سقطت معظم المدن الرومانية في أيديهم، وطوال القرن التالي، كان جزء كبير من شمال إفريقيا مملكة فاندال. استقر العديد من الفاندال الرائدين في المناطق النائية الخصبة بقرطاج ، واستقر آخرون في السهول حول تيبازة وشرشل “.

The Oxford Companion to Archaeology edited by : Neil Asher Silberman, Alexander A. Bauer, Cornelius Holtorf, Margarita Díaz-Andreu García, Emma Waterton. Page 251

 بعدما بينا تاريخيا شعوب شمال إفريقيا الأولى وطريقة نهايتها، يبقى السؤال المطروح من هم البربر؟

  الحقيقة التاريخية هنا أن الرومان والبيزنط كانو يطلقون على الوندال برابرة (barbarian)، لكونهم كانو متوحشين ومخربين قتلة، فعرفت المملكة التي أنشؤوها في شمال إفريقيا ب بلاد البرابرة  (Barbaria land)، ولما قدم العرب الفاتحون لهذه المنطقة فلم يعرفوها إلى بهذه التسمية أي بلاد البربر كما أطلقوا على سكانها بربر وهم الوندال في الحقيقة ، أما القبائل التي نسبت للبربر كصنهاجة و لواتة وزناتة وهوارة فكان يعترف لهم بأصلهم الحميري العربي وكانو أفراد هاته القبائل يكنون على أسماء قبائلهم كالصنهاجي أو اللواتي…إلخ، وتغلغلهم في البلاد كان في عهد الإمبراطورية البيزنطية لا أكثر.

يقول المؤرخ الفرنسي هنري تاكسير (Henri Tauxier) في مقال له منشور سنة 1880م، عنوانه ” هجرة عربية في شمال إفريقيا ” :

‘‘ إن قبائل البربر لم تدخل شمال إفريقيا إلى في حوالي القرن الثاني ميلادي، فقد كانت شمال إفريقيا مأهولة من قبل، بسلسلة من هجرات قديمة إحداها من الجزيرة العربية “.

راجع مقال “Une émigration arabe en Afrique, un siècle après Jésus-Christ. Réponse aux questions de M. l’interprète Mercier ” ، الصفحة 374.

والراجح أن دخولهم لبلاد المغرب كان في القرن الخامس ميلادي، فإندمجوا مع الوندال البربر ونسبوا لهم مع إحتفاظهم بموروثهم القبلي(صنهاجة _ زناتة… إلخ)، فلا نجد ذكرا لأي من صنهاجة أو لواتة أو زناتة… ،بصريح العبارة في كتب المؤرخين القدامى إلى في عهد العرب، فمصطلح بربر يبقى واسعا يشمل كل غير متحضر وهو نفس اللقب الذي حمله الوندال بعد إكتساحهم لشمال إفريقية أيظا .

خريطة قديمة توضح بلاد البرابرة (Barbaria land).

ويمكن تفسير الغلط الذي وقع فيه العرب بنسب البلاد لتسمية البربر هو طبعا راجع لجهل المؤرخين منهم قديما بمؤلفات المؤرخين الإغريق والروم قبلهم.

مراجع

كتاب : The Penny Cyclopaedia of the Society… Volume 3, p429

كتاب : The Oxford Companion to Archaeology edited by : Neil Asher Silberman, Alexander A. Bauer, Cornelius Holtorf, Margarita Díaz-Andreu García, Emma Waterton. Page 251

كتاب: The English Cyclopaedia, Part 1, Volume 1 ,page 879

مقال “Une émigration arabe en Afrique, un siècle après Jésus-Christ. Réponse aux questions de M. l’interprète Mercier ” ، الصفحة 374.

السابق
حركة الترجمة: ترجمة المواد العلمية للعربية في الجامعات، كيف نبدأ؟
التالي
الرواية الشفهية وحجيتها في إثبات الوجود السباعي في منطقة غرب سوس

تعليق واحد

أضف تعليقا

  1. الادريسي قال:

    احسنتم

اترك تعليقاً