تاريخ وأحداث

الدولة السعدية العربية قيامها وتنظيمها

تعد الدولة السعدية من أحد أعظم الممالك العربية التي قامت في شمال إفريقيا، حيث إمتد حكمها ليشمل كل من مالي والسنيغال، اشتهرت الدولة السعدية بالترويج للعلوم والثقافة وتحقيق الأمن والرخاء، كما لها الدور الأكبر في تأسيس نظام المخزن الذي حافظ على إستقرار وتفرد القطر المغربي عن جواره.

استمر حكم الدولة الزيدانية في المغرب حتى منتصف القرن السابع عشر، وقد تركت إرثًا ثقافيًا وتاريخيًا غنيًا في المغرب، وظلت فترة مهمة في تاريخه.

قيام الدولة السعدية

أولا : قصة دخولهم كما أجمع المؤرخون تواترا

يقول محمد الصغير الإفراني (1669-1747م) في قصة دخول الزيدانيين لبلاد المغرب : ” حسب ما ذكره الشيخ النسابة أبو عبد الله الأزورقاني (1176م) في كتاب الدوحة 《 وهؤلاء السادات يقولون أن أصل سلفهم وفد على المغرب من الينبوع وأنهم أبناء عم السادات الأشراف أهل سجلماسة وأن السيد الحسن بن قاسم الداخل بلد سجلماسة كما سيأتي إن شاء الله هو ابن عم جدهم الداخل لدرعة وهو زيدان بن أحمد بن محمد والد قاسم والد الحسن الداخل》، ولذلك قال في {المنتقى المقصور} لا خلاف أن نسبهم أصح شرف أهل المغرب لأن اصلهم من شرفاء الينبوع وقصة اتيانهم من الينبوع إلى درعة اذ آتى بهم اهلها من هناك كما آتى أهل سجلماسة ببني عمهم قبل ذلك وحكايتهم شهيرة بين المؤرخين فلا نطيل بذكرها. وأشار بذلك إلى ما يزعمه السعديون من أن أهل درعة كانوا لا تصلح ثمارهم وتعتريها العاهات فقيل لهم لو اتيتم بشريف إلى بلادكم كما آتى به أهل سجلماسة إلى بلادهم صلحت ثماركم كما صلحت ثمارهم فآتوا بالسيد زيدان بن احمد من الينبوع كذلك فصلحت ثمارهم”. (راجع م هنا)

إقرأ أيضا:قبائل بني هلال بمنطقة الشاوية بالمغرب

ومن خلال ما أورده الصغير الإفراني ناقلا عن ما تواتره المؤرخون والنسابة بالإجماع، فإن دخول الزيدانيين أو السعديين كان بفضل أهل درعة وهم عرب بني معقل وبني هلال الذين سيتملكون المنطقة كما هو معلوم، بحيث يقول إبن خلدون الحضرمي : هذا القبيل لهذا العهد من أوفر قبائل العرب ومواطنهم بقفار المغرب الأقصى مجاورون لبني عامر من زغبة في مواطنهم بقبلة تلمسان، وينتهون إلى البحر المحيط من جانب الغرب، وهم ثلاثة بطون: ذوي عبيد الله وذوي منصور وذوي حسان. فذوي عبيد الله منهم هم المجاورون لبني عامر ومواطنهم بين تلمسان وتاوريرت في التل وما يواجهها من القبلة. ومواطن ذوي منصور من تاوريرت إلى بلاد درعة فيستولون على ملوية كلها إلى سجلماسة وعلى درعة وعلى ما يحاذيها من التل مثل تازة وغساسة ومكناسة وفاس وبلاد تادلا والمقدر “. (راجع المصدر هنا)

ثانيا : ذكر نسبهم

يقول محمد الصغير الإفراني (1669-1747م) في نسب الزيدانيين كما أجمع عليه : “أما عمود نسبهم فقد ذكره غير واحد من المؤرخين ورفعه من لا يحصى من الشيوخ المعتبرين وهذا نصه : محمد المهدي بن محمد القائم بأمر الله بن عبد الرحمن بن على بن مخلوف بن زيدان بن أحمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن محمد المدعو أبي عرفة بن الحسن بن أبي بكر بن على بن الحسن بن أحمد بن اسماعيل بن قاسم بن محمد الملقب بالنفس الزكية بن عبد الله الكامل بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه وفاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم”. (راجع المصدر هنا)

إقرأ أيضا:لا للفرنسة: تاريخ الصراع بين شرفاء الوطن وعملاء فرنسا في مسألة لغة التدريس

وعن مسألة التشكيك في نسب السعديين الشريف يقول محمد الصغير الإفراني ما نصه : “إلا أن من الناس من يطعن في هذا ونقل ذلك عن الامام الحافظ الحجة أبي العباس احمد المقري التلمساني { ولكن صرح غير واحد من فقهاء دولتهم بصراحة نسبهم وسلامة جرثومتهم من الطعن وقال به غير واحد من الأئمة المقتدى بهم كالإمام المنجور وأبي يوسف يعقوب اليدري والإمام أبي العباس احمد بن قاسم الصومعي والشيخ أبي العباس سيدي أحمد بابا السوداني }، وقال ابن عرضون إن نسبهم في غاية الشهرة فلا مطعن فيه ولعل ما نسب المقري من تصحيح أنهم من بني سعد لا من قريش لا يصح عنه فإنه صرح في كتابه نفح الطيب بشرفهم وهو من اخر ما ألف بل ألفه في بلاد الشام”. (راجع هنا)

ومنه نستخلص أن الزيدانيين شكك بعض العلماء في نسبهم وهم قلة كما أحصاهم المقري التلمساني والتشكيك كان بنسبهم لبني سعد بن بكر من هوزان وليس في عروبتهم للإشارة. لكن هذا لا يصح كما قال الإمام القاضي إبن عرضون، فهذا التشكيك إستعمل من قلة الفقهاء لتفتيت دولة السعديين وسحب شرعيتها.

إقرأ أيضا:اغتنم يوتيوب للتعلم وتطوير المهارات

جاء في معلمة المغرب : “والحق أن التشكيك في نسب الشرفاء الزيدانيين ونعتهم بالسعديين كان عملاً سياسياً لتحطيم ما بقي من نفوذهم وجاههم “. (راجع هنا)

وكان الزيدانيين يكرهون تلقيبهم بالسعديين ونسبهم لسعد بن بكر من هوزان ومنه ما نقله لنا محمد الصغير الإفراني في ذالك : “وأعلم أنه جرى على الألسنة وصف هؤلاء الأشراف بالسعديين ولم يكن لهم هذا الوصف في القديم ولا وقعت تحليتهم به في ظهائرهم وسجلاتهم وحدود رسائلهم بل كانوا لا يقبلون ذلك ولا يجترى أحد على مواجهتهم به لأنه إنما يصفهم بذلك من يطعن في نسبهم ويقدح في وشيج اصلهم ويزعم أنهم من بني سعد بن بكر بن هوازن الذين منهم حليمة السعدية…، وقد وقفت على رسالة بعث بها مولاي محمد الشيخ الأصغر بن مولانا زيدان إلى الأمير مولاي محمد بن مولاي الشريف الحسنى السجلماسي ومن فصولها أن قال له بلغنى أنك تعلى في النوادي من الحواضر والبوادي أن جرثومة انتمائنا لبني سعد بن بكر بن هوازن مع أنها من بنى نزار بن معد وافية المكائيل ثقيلة الموازين وأننا من تدسي أحد القصور بوادي درعة ومنها انبت الله اصلنا فازهر وأثمر فرعه، فإن كان غرضك حط منطقة قدرنا من النسب فهذا من الغلاء عليك عار وأن تحاول محونا من صحيفة الحسب فتلك أيضاً دعوى لا تغلى ولا ترخص علينا سوابق الاسعار وقد صرفنا لك نسخة من مناهل الصفاء في اخبار الشرفاء ليطلع انظارك الملوك على ما يزيل ما في الخاطر من اشراك الشكوك”. (راجع هنا)

◀️ في بدعة الخطبة بلسان البربر

جاء في مقتطف من الترجمان لصاحبه الزياني يدعي فيه أن الشيخ القائم بأمر الله خطب شيوخ بعض قبائل السوس ” خطبة عجيبة بلسان البربر”. (راجع هنا)
وهذه الواقعة لا أساس لها فلو كان لها صفة الحقيقة لما تفرد بها الزياني وحده دون أي مؤرخ أخر عاصر الدولة السعدية، ومعلوم أن الزياني عاصر الدولة العلوية الشريفة وبينه وبين نهاية الدولة السعدية 75 سنة كاملة، مما يفند مصداقية هذه الواقعة قطعا.

وقد إستغل قوم من الجهال في زماننا هذه الواقعة للإستدلال ببربرية الشيخ الزيداني والطعن في نسب الزيدانيين وهو أمر خالي من المنطق والصحة فأبو القاسم الزياني نفسه أكد نسب الزيدانيين وإتفاق العامة عليه فيقول في الترجمان المعرب :

من كتاب الترجمان المعرب للزياني

دور العرب في قيام الدولة السعدية

لقد لعبت القبائل العربية خاصة بني معقل الدور الأكبر في قيام دولة السعديين وتوطيد ملكها إلى جانب بعض القبائل البربرية المصمودية القليلة كجزولة أساسا كما قال المختار السوسي.

فالدولة السعدية كان مركزها وقوامها العرب وهذا ما أكده صاحب 《مناهل الصفا》وهو المؤرخ والعالم الجليل الفشتالي وزير أحمد المنصور الذهبي والقائم بأعماله، قال عنه الصغير الإفراني : ” وقد ألف في خصوص دولتهم جماعة كالفقيه المشارك لسان المغرب أبي فارس عبد العزيز بن محمد بن ابراهيم الفشتالي وسمى كتابه مناهل الصفاء في اخبار الملوك الشرفاء قال في نفح الطيب (المقري التلمساني) وعهدي به أنه اكمل منه ثماني مجلدات ” وقد كان ملوك السعديين يفتخرون بهذا المؤلف الوازن للفشتالي كما سبق وأشرنا في رسالة محمد الشيخ الأصغر الزيداني التي أورد فيها “وقد صرفنا لك نسخة من مناهل الصفاء في اخبار الشرفاء ليطلع انظارك الملوك على ما يزيل ما في الخاطر من اشراك الشكوك” . (راجع هنا) أما السلطان أحمد المنصور الذهبي فقال عنه : ” إن الفشتالي نفتخر به على ملوك الأرض ونباري به لسان الدين ابن الخطيب “. (راجع هنا)

فيقول الفشتالي : ” كانت السيرة على عهد أبي عبد الله المهدي وولده الغالب بالله وابنه المتوكل سيرة العرب في الجيش والمأكل والملبس وغير ذلك . (راجع هنا)

وهذا أبرز دليل حاسم يقطع الشك في عروبة الدولة السعدية ونظامها المركزي، وهذا أمر أكده عدة مؤرخين ودبلوماسيين عاصروا حقبة السعديين من غير الفشتالي فنجد، الدون خورخي دي هنري (1603م) يقول في مذكراته 《وصف الممالك المغربية》 التي يصف فيها حقبة ما بعد أحمد المنصور كما عاينها بعد قضاءه مدة ثماني سنوات في المغرب : ” تقديم العرب للملوك المؤونة الخاصة بجيوشهم : وعند قيام الملوك بحملة عسكرية، فانهم لا ينفقون أي شيء على مؤونة الجيش، ذلك لأن قبائل العرب التي يمرون بها تكون مرغمة على تغطية كل حاجيات هذا الجيش. هذه القبائل تبدأ في إعداد كل ما عليها تقديمه أياما قبل مرور الجيش بها. ولو لم يكن الملوك يحصلون على المؤونة من هاته القبائل لما استطاعوا تموين الجيش خلال الحروب الكثيرة التي خاضوها مقابل ذلك كان الأعراب يعفون من دفع الجبايات المتعارف على تقديمها للملوك “. (راجع الصفحة 174 من الكتاب)

وهذا القول يبرز لنا مدى أهمية الدور الذي لعبه العرب في قيام الدولة السعدية وتوسيع ملكها فكانو الممول والمكون الأساسي للجيش السعدي وبدونهم ما كانت للدولة السعدية أي ترف وتوسع .

وهو نفس ما صرح به المؤرخ الإسلامي الدكتور يوهان كريستوف بورجيل (Johann Christoph Bürgel)، فيقول عن النظام الذي إعتمده الزيدانيين في توطيد دولتهم : “ اعتمد السعديون الأوائل في الدعم على القبائل العربية في الجنوب، وأضاف المنصور إلى هؤلاء القبائل العربية، العرب الذين وفدوا من تلمسان ووجدة إلى المغرب بسبب الغزو التركي، وسمي هؤلاء العرب ب”الشرقيون” (شراقة)، وقد حصلوا على أراضي حول فاس مقابل الخدمة العسكرية التي أجبروا على تقديمها “. (راجع هنا)

ومعلوم أن قيام السعديين كان بفضل العرب خاصة السوس بنو معقل الذين إكتسحوا المغرب في زمانهم فكانوا يستولون على السوس بكامله ويأخدون الجزية من أهلها خاصة فرع بني حسان، يقول إبن خلدون (1332-1406م) : “هذا القبيل لهذا العهد من أوفر قبائل العرب…، ومواطن ذوي حسان من درعة إلى البحر المحيط، وينزل شيوخهم بلاد نول قاعدة السوس فيستولون على السوس الأقصى وما إليه، وينتجعون كلهم في الرمال إلى مواطن الملثمين من كدالة مستوفة ولمتونة . (راجع هنا)

وهناك رسالة أرسلها أهل ماسة لملك البرتغال تؤكد بشكل قاطع ما صرح به إبن خلدون وتفيدنا بأن قيام السعديين في سوس كان في وقت يهيمن فيه عرب المعقل على البلاد وقد أورد هذه الرسالة  الدكتور عبد الكريم كريم في كتابه المهم {المغرب في عهد الدولة السعدية} فيقول :  وتحفظ لنا الوثائق التاريخية رسالة وجهها سكان ماسا الى الملك البرتغالي إيمانويل مؤرخة بسنة 1510م، وهي تلقى ضوءا على أوضاع بلاد سوس وعلى النفوذ البرتغالي بها، وتدلنا على ناحية أكثر أهمية وهي موقف الأهالي..، والرسالة مكتوبة بلغة أقرب إلى العامية منها الى العربية الفصحى، وقد جاء في مطلعها : { يصل بيد السلطان العادل سلطان البرين وأقاليم الهندي دون منوال }، ثم تذكر الرسالة مدى السرور والفرح الذي عم أهالى مدينة ماسا لما علموا بأن الملك البرتغالى قد عزم على اقامة قوات عسكرية ببلادهم، ولا يخفون عليه أنهم قد أصبحوا آمنين فى بلادهم بعد الدخول فى طاعته. والذي يهمنا من هذه الرسالة أكثر مما تقدم، هو تعرضها لموقف أهالى سوس من سكان ماسا، فقد اخبروا الملك البرتغالي بأنهم يتحملون عداوة جيرانهم من العرب بسبب خضوعهم للبرتغال، وأن جيرانهم أي العرب {يخطفون اولادهم وابنائهم ويبيعونهم } (راجع ص35، هنا)

وهذا أكده العلامة الفشتالي (956 هـ) مؤرخ الدولة الزيدانية نفسه فيقول عن السوس منبع بداية الدولة السعدية وعن قبائله التي إستنصر بها الزيدانيين في إقامة دولتهم : ” أَهْل السُّوس وَبِلَاد حاحة أَهْل الشَّوْكَة وَالنَّجْدَة مِنْ قَبَائِلِ المصامدة وَعرِّب الْمَعْقِل وَقَبَائِل جُشَم أَنْصَار مَوْلَانَا الْإِمَام الْمَنْصُور بِاَللَّهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَيَّدَهُ اللَّهُ وعصائب الدَّوْلَة الَّذِين تَوَكَّلْت عِنْد نُهُوضُهَا عَلَى منساتهم، واستحصد الدُّوَل والأقيال بشوكتهم وابتزت تِيجَانٌ الْمُلُوك بِسُيُوفِهِم الطِّوَال وَأَلْسِنَتِهِم مِنْ كُلِّ مِسْعَرٌ الْحُرُوب وخائض غمراتها مِمَّن اجْتَاب دلاص الْجِلْد مُفَاضَة وتدرع سَابِع الشَّهَامَة لِأُمِّه أَسَد تَحَمَّلَهَا مِنْ الْخَيْلِ الْعِرَابِ عقبان “. (راجع مناهل الصفا ص164)

وعليه نخلص من خلال ما أسلفناه أن العرب كان لهم دور كبير في قيام الدولة الزيدانية وتوطيد حكمها وتوسيع نطاقها فكانوا أساس الدولة في الجانب السياسي والعسكري، ولهذا فقد شكل عرب الدولة الطبقة العليا بعد البلاط الحاكم في المجتمع السعدي يقول الفشتالي في 《مناهل الصفا》: ” بديوانه فتميزوا بسائر الجندية ولبسوا شاراتها وألحق رؤساءهم بطبقات القواد، واقطعوا ما شاء من البلاد فبهت بذلك احوالهم وكانت لهم به المزية الظاهرة على سائر أقيالهم “. (راجع هنا ص297)

التنظيم العسكري للدولة السعدية

يقول عبد العزيز الفشتالي (1549-1621م)، مؤرخ الدولة السعدية ووزير أحمد المنصور السعدي، حول ترتيب الجيوش في عهد الدولة السعدية : ” كانت السيرة على عهد أبي عبد الله المهدي وولده الغالب بالله وابنه المتوكل سيرة العرب في الجيش والمأكل والملبس وغير ذلك ، ولما ولي المعتصم، حمل الناس على السيرة العجمية وجنح إليها في سائر شؤونه لما رأى منها في بلاد الترك، حيث كان بها فكره الناس ذلك وأنفوا منه وقوفاً مع العوائد، فلما جاء الله بالمنصور ألف بين سيرتي العرب والعجم “. (راجع هنا)

ويقول الصغير الإفراني  (1669-1747م) والناصيري صاحب 《الإستقصا》 نقلا عن الفشتالي : “كانت السيرة على عهد ابي عبد الله محمد الشيخ المهدي وولده الغالب وولده المتوكل سيرة العرب في الحيش من الماكل والملبس وغير ذلك، ولما ولي المعتصم حمل الناس على السيرة العجمية وجنح إليها في سائر شؤنه لما رأى منها في بلاد الترك حيث كان بها فكره الناس ذلك، وابقوا منه وقوفاً مع العوائد فلما جاء الله بالمنصور ألف بين سيرة العرب والعجم واصطفى من العجم موالي ورباهم بنعمته وأشمل لهم درر احسانه، منهم مصطفى باي ومعناه بلغة الاتراك قائد القواد ويختص به قائد الاصباحية وكان برسم حراسة الباب العلى، ومنهم الباشا محمود وهو صاحب خزائن الدار بيده مفاتيح بيوت المال ومنهم، القائد العلوج قائد جيش العلوج، ومنهم الباشا جودر فاتح السودان وهو قائد جيش الاندلس وكان لأهل الاندلس جيش عظيم رماة ومنهم عمر قائد جيش السوس فهولاء أكابر العلوج وتليهم طائفة اخرى منها بختيار وبنعى ثم إن جيش العجم من الأتراك والعلوج قسمه إلى أقسام منها البياك وهم اهل القلانس الصفرية المذهبة ذوات الاعراق من ريش النعام الملون..، وبلبردوش وهم اهل اللقاقيف وهي رماح قصيرة غليظة العصا مغشاة بالحديد مرصعة بمسامير بيض ركبت عليها… “. (راجع المصدر هنا)

وعليه فإن العرب كانوا أساسو الجيش السعدي كما أكد الفشتالي ومن تبعه من المؤرخين، وهذا أيضا نفس ما صرح به الدون خورخي دي هنري (1603م) كما أسلفناه بحيث يقول في مذكراته 《وصف الممالك المغربية》 التي يصف فيها حقبة ما بعد أحمد المنصور كما عاينها بعد قضاءه مدة ثماني سنوات في المغرب : ” وعند قيام الملوك بحملة عسكرية، فانهم لا ينفقون أي شيء على مؤونة الجيش، ذلك لأن قبائل العرب التي يمرون بها تكون مرغمة على تغطية كل حاجيات هذا الجيش. هذه القبائل تبدأ في إعداد كل ما عليها تقديمه أياما قبل مرور الجيش بها. ولو لم يكن الملوك يحصلون على المؤونة من هاته القبائل لما استطاعوا تموين الجيش خلال الحروب الكثيرة التي خاضوها مقابل ذلك كان الأعراب يعفون من دفع الجبايات المتعارف على تقديمها للملوك “. (راجع الصفحة 174 من الكتاب)

وهو نفس ما أكده المؤرخ  ب. أ. أوغوت، في مؤلف تاريخ أفريقيا العام لمنظمة اليونيسكو قائلا : “في عهد السعديين، كان هؤلاء يجيشون جنودهم من قبائل العرب الذين أتوا المغرب في عهد المنصور الموحدي فاستقروا في جنوب البلاد. وحشد السعديون من هذه القبائل فرقة من العسكر عرفت باسم عسكر الاوداية» “. (راجع هنا)

وقد كانت كتيبة سوس النواة التاريخية للجيش النظامي السعدي، وكانت تتكون في غالبها من عرب سوس المعقل ثم بربر سوس الممثلين في جزولة. وكانت هذه الكتيبة تضم بشكل خاص أولاد جرار وأولاد مطاع والشراردة والرحامنة وهسكيمة (شلوح).

يقول الفشتالي الوزير، عن الجيش النظامي السعدي : ”والترتيب الذي جرى به العمل في عساكر النار أن يتقدم أولاً جيش عرب السوس، ثم يردفه جيش عرب شراقة وكل منهما ينقسم حبلين، ثم يردفهما العسكران العظيمان عسكر الموالي من المعلوجي ومن انضاف إليهم وعسكر الأندلس ومن لبس جلدتهم ودخل في زمرتهم وهذان يسيران صفين متساويين لاستواء مرتبتهما“. (راجع هنا / هنا)

وعن مكونات عرب السوس في الجيش السعدي يقول الناصيري في الإستقصا : ” فأما أهل السوس فمنهم أولاد جرار وأولاد مطاع وزرارة، والشبانات وكلهم من عرب معقل “.(هنا)

ويقول أبو القاسم الزياني 1734م في 《الترجمان》: “وأما هؤلاء زرارة و الشبانات وأولاد جرار وأولاد مطاع، فإنهم كانوا جندية مع الملوك السعديين وهم عساكرهم، وكانوا ينقلونهم بحللهم للنزول بأزغار على أنف عرب جشم من الخلط وأهل الغرب، حيث كانوا شيعة لبني مرين “. (راجع هنا ص150)

وأما عن عرب شراقة فيقول الناصيري : ” قد قدمنا في أخبار السعديين أن لفظ شراقة في الأصل لقب لعرب بادية تلمسان ومن انضاف إليهم، وسموا بذلك لأنهم في جهة الشرق عن المغرب الأقصى” . وعن فروعهم العربية قال الناصيري في نفس المرجع سالفه: “فَمن الْعَرَب أَشْجَع وَبَنُو عَامر “. (راجع هنا)

وإلى جانب الجيش النظامي فقد كان السلطان السعدي يعتمد على فرق غير نظامية مكونة من الفرسان المنحدرين من أبرز القبائل العربية في البلاد وقد سماهم الفشتالي ب(عرب الدولة) ر.هنا. هذا التقليد أسسه الموحدون وحافظ عليه المرينيون والوطاسيون والزيدانيون.

يقول ذ. محمد نبيل ملين في كتاب 《السلطان الشريف》: ” كانت إذن بعض القبائل البدوية المدعوة بعرب الدولة تقدم للسلطان عددا من الفرسان مقابل إقطاع أو امتيازات ضريبية لاسيما الإعفاء من النائبة (كما أسلفنا من قول دون خورخي). ويعتبر أولاد مطاع وأولاد جرار والشبانات وأولاد بوعزيز وأولاد العزفي وأولاد عمران وعبدة والشياظمة والمنابهة وسفيان والخلط إلخ، أهم فصائل هذا الجيش غير النظامي.

وتقدّم كل من هذه القبائل بين ألف وخمسمائة وتسعة آلاف فارس“. ويقول لنا شهاب الدين أحمد بن قاسم الحَجْرِي المعروف بأفوقاي (1569م) خادم البلاط والدبلوماسي السعدي حول عدد جيش عرب الدولة غير النظامي الذي يرافق السلطان في المناسبات :

راجع كتاب {ناصر الدين على القوم الكافرينص44.

الخبر عن معركة وادي المخازن ودور العرب فيها

لقد لعبت القبائل العربية دورا هاما في معركة وادي المخازن فكانو يشكلون غالب الجيش وكان قياد الجيش من عرب الدولة، وهذا ما تؤكده لنا وثيقة كتبها طبيب يهودي لدى السلطان كان ضمن الرجال الذين شاهدوا الموقعة الحاسمة، التي وضعت حدا لغرور البرتغال وأداعت صيت الدولة الزيدانية في العالم، وقد نشرت هذه الوثيقة في مجلة 《دعوة الحق》 التي تشرف عليها وزارة الأوقاف المغربية، ونقلها لنا الدكتور شوقي أبو خليل في كتابه القيم {معركة وادي المخازن} في الصفحة 91. (راجع هنا)

جاء في الوثيقة حول وقائع المعركة ودور العرب فيها : “جاءتنا أخبار مفادها أن العدو يريد اجتيازا للقنطرة التي كانت مقامة على النهر، المسمى بواد المخازن، فتقدم المولى أحمد، وظل الملك في المسافة، إلى أن ضرب المعسكر، وكان يظن أن العدو سيقدم على القتال، بنفسه في مساء ذلك اليوم، فأمر بتنظيم رماة المكاحل، وطلب – سامحه الله- الفرس، وهو يكاد يلفظ نفسه، فامتطى صهوته، ضد أرادتي، وتقدم فترك خلفه جميع الفرسان، الذين قدموا معه، ليشرف بنفسه على تنظيم الرماة، ولاحظت لما كان راكبا على فرسه، أن قد أصابه إغماء، فاقتربت منه متوسلا إليه، أن ينزل إلى فراشه، حيث يمكنه أن يستمر في إصدار أوامره، فلم يكتف بالامتناع من ذلك، بل أخرج سيفه وجعل يلوح به فوق رؤوس أصحابه، ليتركوه وشأنه.

وفي هذا الوقت، جاء رسول من مولاي أحمد يخبر، بأن الأعداء قد استقروا في موقعهم…، مولاي أحمد فقد ظل في الميدان، ولم يغادره، في كوكبة من الفرسان الذين كانوا نحو مائة فقط، وهم على مقربة من الأعداء، وكان على جانب آخر من بني مليك، وبني سفيان، وبعض العرب من الجبل، -يعني جبالة- فلما اجتمع رجالنا في ذلك المساء، أرسل أخا القائد عبد النور Abdenu مولاي المنصور لانتلي، وولد السيد أحمد بن داودي وبعض القواد، نحوهم.

وشرع الأعداء في ذلك المساء يرفعون معسكرهم، متظاهرين بالمسيرة نحونا، فخرج الملك حينئذ من مخدعه، وأمتد على محفته، وجعلنا نسير خارج الخيام، ثم عاد النصارى إلى الاستكانة من جديد، فتجمعنا بخيامنا، وتكفل مولاي أحمد في تلك الليلة بأن يقوم بالحراسة، مع فئة من رجال الغرب… . تحلى الملك بما كان يتحلى به أيام الأعياد ووضع في أصابعه خواتمه الكبيرة، المرصعة بالجواهر القيمة، وامتطى صهوة فرسه، على الرغم من إرادتي، توجهنا معه جميعا إلى ميدان القتال…، وكان رجالنا على أتم نظام، وكان النصارى راجلين، قد قدموا من أبعد الأماكن، وكان مولاي أحمد في فرسان الغرب (بني مالك، الخلط، طليق) على اليمين، مع آلاف من رماة فاس، وكان على يسارنا قواد مراكش، وأولاد مطاع والرحامنة، وأناس آخرون كثيرون، كانوا حسب عادتهم وموطنهم لا يتمكنون من التحرك بسرعة. وكان سر الله عظيما، فقد هلك في ظرف ساعة، ثلاثة ملوك، كان اثنان منهم عظيمين…، أما عدد القتلى حسبما شاهدت بنفسي فيمكن أن يبلغ، خمسة عشر ألفا.

وأما الأسرى فلا أستطيع أن أقدر عددهم، لكنه ما كان عربي واحد، لم يأت بأسير نصراني أو أكثر. وكان عرب أحواز أصيلا وتطوان والشاون، يأتون بعد إلى فاس، مصحوبين بأسراهم النصارى،- حيث كانت فاس أهم سوق لبيعهم- فأصبحت هذه المملكة غنية بالذهب والفضة، والأسلحة المختلفة الأنواع، والبغال والخيول والثيران- مما غنم من البرتغال- بحيث لم يعد من الرماة من يريد أن يخدم غيره- استغناء عنهم بما لديه- ولا أصبح عبد أقل ثراء من سادته في هذا.

ولما انتهت المعركة، جاء مولاي أحمد ليأخذ الأعلام..، في هذا الوقت يكتب البيعة لمولاي أحمد، في طلب الشرفاء، قواد الفرسان والرماة جميعا، وخطب فيهم بنفسه، قائلا لهم، أن أخاه قد مات ميتة القائد المغوار، وأنهم يعلمون أنه كان في حياته قد حارب عدوه مولاي محمد، وأنهم أن بايعوه، وأصبح ملكا عليهم، فأنه سيسير حسبما يشيرون بصوابه، فرد جميعهم بالأصفاق ” نصرك الله”. (راجع هنا ص91)

ونستخلص من الوثيقة الدور المحوري للعرب في معركة وادي المخازن بحيث أن أغلب القبائل المشاركة في المعركة كانت عربية من بني مالك وسفيان والرحامنة وأولاد مطاع وباقي عرب الجبل وأحواز فاس وأصيلة وتطوان، وجيش السوس المكون أساسا من بني معقل وعرب جشم وجزولة وهسكيمة.

كما أن قبيلة الخلط العربية كان له دور كبير في معركة وادي المخازن وإن صاحب الوثيقة أعلاه لم يشر لها مكتفيا بذكر عرب الغرب وهم المعنيين، يقول  محمد الصغير الإفراني (1669-1747م)  والناصيري صاحب 《الإستقصا》 : ” هؤلاء العرب من الخلط ومختار وسفيان اصلهم من جشم القبيلة المشهورة وكانوا في القديم من شيعة بني مرين وهم الذين اقدموهم من المغرب الأوسط وفيه كان قرارهم وكانت لهم في الدولة المرينية صولة ومرتبة…، أيام المنصور (الذهبي) فرأى مقاتلتهم في وادي المخازن وابلاءهم فيه البلاء الحسن فاختار نصفهم للجندية وأبقى نصفهم الآخر في غمار الرعية ونقلهم لازغار فسكنهم فيه “. (راجع هنا)

وقد جاء في الموسوعة البرتغالية والبرازيلية العظيمة 1959م، عن مكونات الجيش السعدي في معركة وادي المخازن أنه كان عربي صرف قائلة (راجع هنا) :

إمتيازات

السابق
من مبادرات #اليوم_العالمي_للغة_العربية : المكتبة الرقمية السعودية مفتوحة لمدة 5 مجانا
التالي
#تطبيق السنة الإدارية

اترك تعليقاً