تاريخ وأحداث

الجيش المخزني السعدي (التأصيل)

إن القبائل العربية كان لها دور فعال وبارز في الجيوش السلطانية المخزنية بالمغرب، وإن بلغ هذا أوجه في عهد السعديين إلى أن أصوله تعود للموحدين، بحيث عمد الموحدون على تجييش القبائل العربية وجعلها مكونا أساسيا في العسكر وهذا طبعا كان لشدة بأسهم وقوتهم فكان من الضروري أن تستفيد الدولة منهم، بل إن عبد المؤمن نفسه حين استنفر العرب الهلاليين للغزو والجهاد في الأندلس، عَزف على وتر القَرَابَة، ليحرك مفاعيل الجينات في دماء هؤلاء العرب قائلا :

كلمات عبد المؤمن لبني هلال (راجع هنا)

وقد قام أبو يوسف يعقوب بن يوسف المنصور بعدها، بإلزام القبائل العربية بالإنخراط في الجيش وتقديم الضرائب، كما أنه إستقطب جموعا منهم وجعل لها موطنا في المغرب وهذه نقطة البداية لهيمنة العرب في النظام العسكري والإجتماعي.

وعليه فقد ظلت القبائل العربية أحد المكونات الأساسية في الجيش المخزني منذ الدولة الموحدية ثم المرينية إلى عهد الدولة السعدية التي ستتغير فيها الموازين، بحيث سيعمل السعديين على إستمالة القبائل العربية للجيش حتى سيصبح العنصر العربي هو المهيمن والطاغي فيه، مع أقليات من القبائل البربرية والأجانب. يقول ب. أ. أوغوت، في مؤلف تاريخ أفريقيا العام لمنظمة اليونيسكو :

إقرأ أيضا:تاريخ و أصول سكان بني ملال

“في عهد السعديين، كان هؤلاء يجيشون جنودهم من قبائل العرب الذين أتوا المغرب في عهد المنصور الموحدي فاستقروا في جنوب البلاد. وحشد السعديون من هذه القبائل فرقة من العسكر عرفت باسم عسكر الاوداية» “. (راجع هنا)

وكذالك يقول المؤرخ الإسلامي الدكتور يوهان كريستوف بورجيل (Johann Christoph Bürgel)، عن قيام الدولة السعدية أنه كان بفضل عرب المغرب خاصة عرب الجنوب المعاقلة الذين يستولون على الجنوب من السوس لموريطانيا فيصرح في موسوعته عن هذا :

“ اعتمد السعديون الأوائل في الدعم على القبائل العربية في الجنوب، وأضاف المنصور إلى هؤلاء القبائل العربية، العرب الذين وفدوا من تلمسان ووجدة إلى المغرب بسبب الغزو التركي، وسمي هؤلاء العرب ب”الشرقيون” (شراقة)، وقد حصلوا على أراضي حول فاس مقابل الخدمة العسكرية التي أجبروا على تقديمها “. (راجع هنا)

وجاء في معلمة المغرب : ” قام السعديون على الجهاد والشرف وعملوا على ربط القبائل العـربـيـة بنظامهم على أساس المصلحة “. (راجع هنا)

إقرأ أيضا:القربينة: البندقية العربية، أول سلاح ناري محمول في التاريخ

وقد جاء في الموسوعة البرتغالية والبرازيلية العظيمة 1959م، عن مكونات الجيش السعدي في معركة وادي المخازن أنه كان عربي صرف قائلة (راجع هنا) :

ت

ولتسهيل دخول القبائل العربية للجيش المخزني قدم السعديون لهم تسهيلات كالإعفاء من الضرائب وغيرها، وسنتناول في هذا المقال مكونات الجيش العسكري في عهد السعديين.

مكونات الجيش النظامي السعدي (الدولة السعدية)

قال عبد العزيز الفشتالي (1549-1621م)، مؤرخ الدولة السعدية ووزير أحمد المنصور السعدي، حول ترتيب الجيوش في عهد الدولة السعدية : ” كانت السيرة على عهد أبي عبد الله المهدي وولده الغالب بالله وابنه المتوكل سيرة العرب في الجيش والمأكل والملبس وغير ذلك ، ولما ولي المعتصم، حمل الناس على السيرة العجمية وجنح إليها في سائر شؤونه لما رأى منها في بلاد الترك، حيث كان بها فكره الناس ذلك وأنفوا منه وقوفاً مع العوائد، فلما جاء الله بالمنصور ألف بين سيرتي العرب والعجم “. (راجع هنا)

إقرأ أيضا:الإتحاديات القبلية الأوفر في الجنوب الشرقي المغربي: الروحة، ايت عطى، ولاد يحيى

وعليه فإن أول من أدخل العجم في جيش الدولة السعدية هو عبد الملك المعتصم بالله السعدي، بعدما كان الجيش عربي محض، أما المنصور الذهبي فسيعتمد سياسة حكيمة بإدخال العنصر الأجنبي (العلوج)، مع حفظ الغلبة للعرب.

وقد كانت كتيبة سوس النواة التاريخية للجيش النظامي السعدي، وكانت تتكون في غالبها من عرب سوس المعقل ثم بربر سوس الممثلين في جزولة. وكانت هذه الكتيبة تضم بشكل خاص أولاد جرار وأولاد مطاع والشراردة والرحامنة وهسكيمة (شلوح).

جاء في موسوعة الإسلام (First Encyclopaedia of Islam 1913-1936ملمارتين ثيودور هوتسما (Martijn Theodoor Houtsma) :

” اعتمد السعديون الاوائل في الدعم على القبائل العربية في الجنوب “. (راجع هنا / هنا)

يقول الناصيري في الإستقصا : ” فأما أهل السوس فمنهم أولاد جرار وأولاد مطاع وزرارة، والشبانات وكلهم من عرب معقل “.(هنا)

ويقول د. إبراهيم شحاتة حسن : “ووجد السعديون في عرب بني معقل، لاسيما بني شبانه وذوي منصور، حلفاء أقوياء من بداية تنظيمهم “. (راجع هنا)

📌 كتيبة شراگة (شراقة) : كانت كتيبة شراقة أي سكان شرق المغرب من قبائل عربية وأقلية بربرية، وكانت مكوناتها الأساسة من قبائل أشجع وبني عامر ورياح. يقول الناصيري في كتابه الإستقصا :

” قد قدمنا في أخبار السعديين أن لفظ شراقة في الأصل لقب لعرب بادية تلمسان ومن انضاف إليهم، وسموا بذلك لأنهم في جهة الشرق عن المغرب الأقصى” . (راجع هنا)

📌 جيش الاودايا : هذا الجيش كان يسمى بأهل سوس كما تقدم أعلاه، وسيعرف في عهد الدولة العلوية الشريفة بعسكر الأودايا. يقول عنه صاحب الإستقصا :

” هذا الجيش من أمثل جيوش هذه الدولة الشريفة، وهو ينقسم إلى ثلاثة أرحاء رحى أهل السوس، ورحى المغافرة ورحى الودايا ويطلق على الجميع ودايا تغليباً فأما أهل السوس فمنهم أولاد جرار وأولاد مطاع وزرارة، والشبانات وكلهم من عرب معقل، وكانوا في القديم جنداً للدولة السعدية، وكان ملوكها يستنفرونهم للغزو بحللهم لاعتيادهم ذلك أيام كونهم بالصحراء، ثم أنزلوهم ببسيط ازغار مراغمة لعرب جشم من الخلط وسفيان وغيرهم “. (راجع هنا)

والمغافرة هم من المعقل كذالك، فنسبهم يعود لمغفر بن أودي بن حسان بن مختار بن محمد بن معقل. أما الأودايا والذي أطلق إسمهم تغليبا في عهد العلويين لليوم على الكتيبة كلها، فهم من المعقل أيظا ونسبهم يعود ل أودي بن حسان بن مختار بن محمد بن معقل. (راجع مقال عرب المغرب هنا )

يقول الفشتالي الوزير، عن الجيش النظامي السعدي :

” والترتيب الذي جرى به العمل في عساكر النار أن يتقدم أولاً جيش عرب السوس، ثم يردفه جيش عرب شراقة وكل منهما ينقسم حبلين، ثم يردفهما العسكران العظيمان عسكر الموالي من المعلوجي ومن انضاف إليهم وعسكر الأندلس ومن لبس جلدتهم ودخل في زمرتهم وهذان يسيران صفين متساويين لاستواء مرتبتهما “. (راجع هنا / هنا)

مكونات الجيش غير النظامي السعدي

إلى جانب الجيش النظامي فقد كان السلطان يعتمد على فرق غير نظامية مكونة من الفرسان المنحدرين من أبرز القبائل البدوية العربية في البلاد.

كانت إذن بعض القبائل البدوية ويذكرهم صاحب مناهل الصفا ب عرب الدولة ومنهم كما قال « عرب سوس وعرب مراكش وعرب أزغار من الخلط وغيرهم» . وهي تقدم للسلطان عددا من الفرسان مقابل إقطاع أو امتيازات ضريبية لاسيما الإعفاء من النائبة. ويعتبر أولاد مطاع وأولاد جرار والشبانات وأولاد بوعزيز وأولاد العزفي وأولاد عمران وعبدة والشياظمة والمنابهة وسفيان والخلط أهم فصائل هذا الجيش غير النظامي.

وتقدّم كل من هذه القبائل بين ألف وخمسمائة وتسعة آلاف فارس. وقد كان يوجد في زمن المنصور تسلسل عسكري ثنائي. ففي حين حافظت القوات غير النظامية على التقسيم والتراتبية التقليدية فإن القوات النظامية أضافت إلى ذلك عناصر عثمانية كان فرسان الجيش غير النظامي وهم مجهزون بدروع حديدية وخوذات وثروس مستديرة من جلد الظبي وسيوف وحراب ينتظمون في أرحاء من ألف رجل ويقودها ضابط يطلق عليه قائد الرحى.

________

مراجع :

  • مناهل الصفا لعبد العزيز الفشتالي
  • ذ. محمد نبيل ملين: ” السلطان الشريف”. هنا
السابق
كيف غير المخترعون المسلمون وجه العالم؟ (اختراع أول طوربيد (صاروخ) في التاريخ، على يد حسن الرماح)
التالي
القبائل العربية بالمغرب (من كتاب المستصفى من أخبار القبائل العربية بالمغرب الأقصى)

اترك تعليقاً