تاريخ وأحداث

الأصل البرتغالي للشلوح

شلوح أو الشُّلُوحُ أو الشَّلْحِيُّونَ هم أحد التجمعات العرقية التي تسكن جبال الأطلس والسوس، ويتكلمون اللغة الشلحية أو تشلحيت أو ما يعرف بالشلحة، وهم يعيشون حياة بدوية قائمة على تربية المواشي والزراعة.

لقد إختلف المؤرخون حول أصول الشلوح العرقية والغالب فيهم يقول أنهم خليط بين البربر (المصامدة) والعرب الذين تبربروا أو تشلحوا، فيقول المختار السوسي الإلغي في هذا : “ غالب الأسر العربية الأصل فانها تشلحت حتى نسيت لغتها وإن لم تنس غيرتها العربية الدينية “. (راجع كتاب إيليغ قديما وحديثا، ص10)

لكن هذا الإستنتاج الذي ذهب له المختار السوسي الإلغي ومن قبله فيه عدة مغالطات فهو يأخد بأقوال حقبة سبقت الإحتلال الذي سيعرفه المغرب من الممالك الغربية الصليبية والكلام هنا خاصة عن البرتغاليين الذين سيستولون على معظم سواحل المغرب.

كما أن البربر المصامدة الأصليين في بلاد السوس الأقصى خاصة منطقة ما يعرف “بالشلوح” اليوم كانوا قوما سودا كما وصفهم أبو سعد السمعاني {1113-1166م} في كتابه «الأنساب» بقوله :  المصامدة وهم رجال بأقصى المغرب لهم بلاد كثيرة يقال لها بلاد المصامدة وهم قوم سود طوال حافظون لكتاب الله “. (راجع هنا)

وهؤلاء المصامدة الأصليين لم يبقى منهم إلا قلة بعد أن أبادهم الموحدون عن بكرة أبيهم لموالاتهم المرابطين وعن إبادة الموحدين لسكان السوس يقول إبن القطان الفاسي 1167م في كتاب «نظم الجمان» : “ وأن الموحدين أعزهم الله تعالى لما استولوا على بلاد السوس من أوله إلى آخره، من فوقه إلى أسفله، فقتل أهله، وانجلى من لم يقتل منهزمين إلى كل أفق مما حواليه من هنكيسة وجزولة، وبعضهم قد انحصر مع الملثمين بتيونوين، فكان آخر هزائمهم التي هزمهم الموحدون أعزهم الله تعالى فيها هي الهزيمة التي قتل فيها توجين ؛ ثم قنطوا من سوس ويئسوا منه، فانقبضوا بتيونوين في ذل وخزي ورعب، لا يستطيعون حيلة، ولا يقدرون على حركتهم، والحمد لله الذي أظهر ضعفهم، وأخذهم بسوء فعلهم …“.

إقرأ أيضا:الدولة المرينية والعرب

وعن إبادة ما بقي من برابر السوس والملثمين (مرابطين) يضيف إبن القطان مؤرخ البلاط الموحدي : “.. فبادروا إلى النزول في بلادهم، فميزنا عسكراً مباركاً من خيل ورجل، فخرجوا إلى ناحية تارودانت، وبعثنا تلك الليلة سرية إلى أسفل السوس، فوجدوا بلاد المجسم معمورة قد سكنوا بأهاليهم ومواشيهم، فقتلوهم وغنموا أموالهم بقرا وغنماً ودواب وعبيداً، وسبوا ذراريهم وأهاليهم، ورجعوا سالمين غانمين. ثم بعثنا سرية أخرى في الليلة التي تليها إلى بقية تلك الناحية، أعني أسفل السوس، فقتلوا مقتلة أكثر من الأولى، وغنموا أكثر مما غنم أصحابهم. وأما العسكر فقصدوا إلى تارودانت حتى دخلوها، فوجدوا البقية التي رجعت إليها هاربين قد بعث إليهم الملثمون المحصورون بتيونوين حين عاينوا عسكر الموحدين أعزهم الله تعالى قد أقبل إليهم فقالوا لهم : انجوا بأنفسكم ! قد غشيكم عسكر الموحدين أعزهم الله تعالى، فهربوا إلا بعض من كان في أطراف البلد مثل تاجندويت ورقالة، فقتل الموحدون من وجدوا “. (راجع الكتاب هنا)

وعليه فإن ما بقي في السوس بعد إبادة الموحدين مجرد قلة من البربر المصامدة السود وعرب مستشلحين، ولكونهم ضعفاء سيلزمون على الإختلاط بالبرتغاليين الإفرنج بعد غزوهم للمغرب.

إقرأ أيضا:سهل سوس العربي

صورة لفتاة شلحية مصمودية أصلية القرن التاسع عشر

فدخول البرتغاليين لبلاد المغرب كان له تأثير ديموغرافي على الشلوح خاصة بحيث أنهم تزاوجوا معهم وأصبحت هناك أسر برتغالية الأصل منسوبة كذالك للشلوح إلى جانب العرب المستشلحين، وهذا ما يؤكده مؤرخو ورحالة القرن السابع عشر والثامن عشر ميلادي.

فنأخد على سبيل المثال جيمس جراي جاكسون (JAMES GREY JACKSON) وهو من أهل القرن الثامن عشر ميلادي، كان قد أقام في المغرب مدة ستة عشر سنة كدبلوماسي بريطاني وزار جميع مناطق المغرب من بينها بلاد الشلوح في جبال الأطلس وسوس فيقول في مؤلفه (An Account of the Empire of Morocco) عن أصولهم : الشلوح في جبال الأطلس وفروعهم متنوعة جنوب المغرب…، ويقال إن العديد من العائلات من بين هؤلاء الأشخاص ينحدرون من البرتغاليين، الذين إمتلكوا جميع الموانئ على الساحل . (راجع هنا)

وعلى نفس المنوال نجد جديديا مورس (Jedidiah Morse)، وهو عالم جغرافي أمريكي الملقب بأبو الجغرافية الأمريكية يقول في كتابه (The American Universal Geography)، حوالي 1786م عن أصل الشلوح : يقال إن العديد من عائلات الشلوح ينحدرون من البرتغاليين، الذين امتلكوا جميع الموانئ على الساحل قبل اكتشاف أمريكا . (راجع هنا)

إقرأ أيضا:قبائل دكالة العربية

وإلى جانب ما سلف نستعين كذالك بما أورده المؤلف الأمريكي جون لويس بلايك (John Lauris Blake) وهو عضو الجمعية الأمريكية للآثار سنة 1815م، بحيث يقول عن أصل الشلوح : الشلوح، الذين يحتلون الأجنحة الجنوبية للأطلس..، العديد من عائلاتهم مشهورون أنهم من نسل البرتغاليين، الذين احتلوا في يوم من الأيام معظم البلدات الواقعة على الساحل الغربي“. (راجع هنا)

وإذا ما رجعنا للرسائل التي تعود لحقبة الإحتلال البرتغالي يورد لنا الدكتور عبد الكريم كريم في كتابه المهم {المغرب في عهد الدولة السعدية} أن شلوح سوس ماسة كانوا يوالون البرتغاليين ضدا في العرب بحيث ورد في المؤلف :

وتحفظ لنا الوثائق التاريخية رسالة وجهها سكان ماسا الى الملك البرتغالي إيمانويل مؤرخة بسنة 1510م، وهي تلقى ضوءا على أوضاع بلاد سوس وعلى النفوذ البرتغالي بها، وتدلنا على ناحية أكثر أهمية وهي موقف الأهالي..، والرسالة مكتوبة بلغة أقرب إلى العامية منها الى العربية الفصحى، وقد جاء في مطلعها : { يصل بيد السلطان العادل سلطان البرين وأقاليم الهندي دون منوال }، ثم تذكر الرسالة مدى السرور والفرح الذي عم أهالى مدينة ماسا لما علموا بأن الملك البرتغالى قد عزم على اقامة قوات عسكرية ببلادهم ، ولا يخفون عليه أنهم قد أصبحوا آمنين فى بلادهم بعد الدخول فى طاعته. والذي يهمنا من هذه الرسالة أكثر مما تقدم، هو تعرضها لموقف أهالى سوس من سكان ماسا، فقد اخبروا الملك البرتغالي بأنهم يتحملون عداوة جيرانهم من العرب بسبب خضوعهم للبرتغال، وأن جيرانهم أي العرب {يخطفون اولادهم وابنائهم ويبيعونهم } . (راجع ص35، هنا)

وبالتالي يمكن القول من خلال ما ذكر من مراجع وأقوال على سبيل المثال لا الحصر أن هناك إجماعا وشيوعا حول إنحدار عدد مهم من أسر الشلوح من العلج والبرتغاليين على غرار العرب المشلحين أيضا وهو ما يفيد بوجود تنوع كبير في عرقية الشلوح وإن كانت لغتهم الشلحية متقاربة فإن أصلوهم متنوعة.

_________________

مراجع أخرى

هناك أيضا مراجع أخرى تعود للقرن التاسع عشر ميلادي تطرقت للأصل البرتغالي للشلوح ونذكر على سبيل المثال :
1- كتاب «The Annual Register: World Events»، منشور سنة 1809م، جاء فيه عن الشلوح وأصلهم : الشلوح…، ينحدرون من البرتغاليين، الذين كانوا في السابق يقطعون جميع الموانئ …. (راجع هنا)

2- كتاب «Cosmorama A View of the Costumes and Peculiarities of All Nations»، منشور سنة 1826م، جاء فيه عن أصل الشلوح : “ إن الشلوح الذين يستوطنون الجوانب الجنوبية للأطلس، مثل البربر في العيش الرعوي، ويختلفون عنهم في المظهر واللغة والأخلاق، والعديد من عائلاتهم مشهورون بأنهم أحفاد البرتغاليين الذين احتلوا ذات يوم معظم البلدات الواقعة على الساحل الغربي “. (راجع هنا)

السابق
أبو إسحاق إبراهيم الزرلاقي
التالي
البربر عرق أم نسبة

اترك تعليقاً