تاريخ وأحداث

البربر عرق أم نسبة

إرتبط تاريخيا مصطلح البربر بالشعوب القاطنة قديما في شمال إفريقيا، على مختلف فروعها، وهو نفس المصطلح الذي ستغيره هذه الشعوب حاليا إلى الأمازيغ، لكن الإشكال هنا يتعلق بعمق هذا المصطلح وبعده فهل له دلالة عرقية كما هو الشأن لبديله (الأمازيغ) ؟ وهل البربر أو الأمازيغ شعب واحد كما يزعم؟

أولا : البربر أي دلالة عرقية

البربر أو البرابرة هي كلمة غالبًا ماتستخدم لتشير إلى الناس غير المتحضرين وأعمالهم الشريرة، أول استخدام للكلمة كان في اليونان القديمة، وفي بداية استخدامها كانت تشير إلى الناس الأغراب والهمجيين.

وأصول هذا المصطلح في بلاد المغرب يعود إلى العهد الروماني خاصة فترة الغزو الوندالي الذي سيكتسح شمال إفريقيا بما يفوق 80 ألف عائلة.

جاء في موسوعة بيني الأمريكية لنشر المعرفة المجلد الثالث (The Penny Cyclopaedia… Volume 3)، الصفحة 429: ”في عهد هونوريوس الفندال الذين إستقروا في جنوب إسبانيا، غزوا شمال إفريقيا سنة 428م بدعوة ملكهم جينسيريك، بدعم من الكونت بونيفاس الروماني، فقاموا بأفضع الأعمال الوحشية، وطهروا البلاد من سكانها السابقيين “. (راجع هنا)

فالوندال هؤلاء الهمج كان لهم إسم عند الرومان وهو البرابرة فسميت مملكتهم بمملكة البرابرة، ومن هنا ظل هذا الإسم سائدا في بلاد شمال إفريقيا حتى دخول العرب المسلمين الذين سيستعملون نفس المصطلح لوصف السكان. (راجع هنا)

إقرأ أيضا:قبائل المغرب لعبد الوهاب بن منصور

ثانيا : وحدة الأمازيغ العرقية

إن البربر أو ما يسمون الأمازيغ حاليا تغليبا لم يكونوا أبدا عرقا واحدا، فلا توحدهم لا لغة ولا ثقافة ولا خصائص إنثروبولوجية ولا فزيائية، وهذا أمر متعارف عليه عالميا في الوسط العلمي.

يقول أستاذ التاريخ وعالم الأنثروبولوجيا أو علم الأعراق الدكتور بول ر. سبيكارد (Paul Spickard) حول البربر كعرق :
الجدل حول أصل البربر ما إذا كانوا قد هاجروا من أوروبا أو من شبه الجزيرة العربية لا يزال غير محسوم. صحيح أنهم لا يشكلون مجموعة متجانسة عرقياً، إن مزجهم بين الشعوب الأوروبية والأفريقية والشرق أوسطية يجعل من الصعب على البربر المغاربيين المطالبة بهوية عرقية خاصة بهم .

ويضيف في نفس السياق : يصنف علماء الأنثروبولوجيا أصول البربر إلى عدة مجموعات متميزة : البحر الأبيض المتوسط ​​، النوع الكردي، الأوروبي، الاسكندناف ، والنيجرويد. هذا التنوع العرقي، وهو نتيجة منطقية للهجرة بالإضافة إلى التاريخ المضطرب للغزو والاحتلال، الذي أدى إلى ظهور حالة تكون فيها اللغة، وليس العرق، هي العلامة الإثنية الرئيسية للبربر .(هنا)

إقرأ أيضا:تشابه الزي الجبلي المغربي والسعودي

ويقول عالم الأنثروبولوجيا بجامعة شيكاغو الأمريكية بول أ.سيلفرشتاين (Paul A. Silverstein) حول هذا : لغويًا، تم تصنيف اللهجات الأمازيغية على أنها حامية-سامية، مع ما يقدر بثلث مفرداتها مستمدة من اللغة العربية، والباقي من لغات شرق إفريقيا (الحامية). وجسديًا، أظهر السكان الناطقون بالأمازيغية خصائص جسدية يمكن تحديدها في مناطق جغرافية متنوعة، من البشرة الداكنة لأفريقيا إلى عظام الوجنتين المرتفعة في آسيا إلى العيون الخضراء في شمال أوروبا. علاوة على ذلك ووفقًا للعلماء، فإن كل غزو متتالي لمنطقة شمال إفريقيا – من قبل الرومان والقرطاجيين والعرب- قد وضع رواسبًا من التراث الثقافي تم استيعابها وحفظها في الذاكرة الاجتماعية والممارسات اليومية للشعوب الأمازيغية المعاصرة .(راجع هنا)

وبالتالي فإن البربر أو الأمازيغ حاليا هم شعب من عدة روافد عرقية مختلفة مرتبطة بالهجرات التي عرفتها شمال إفريقيا سواء بين فينيق وڤاندال وروم وعرب، فكل هذه الروافد تشكل ما يسمى حاليا بالأمازيغ.

يقول عالم الأنثروبولوجيا جيل بوتش (Gilles Boëtsch)، وعالم الإجتماع جون نويل فيري (Jean-Noël Ferrie) في مؤلفها “ تاريخ الأنتروبولوجيا “، ص 266 في هذا : البربر قد دخل في تكوينهم الكثرة الكثيرة من الأقوام، يجتمع فيها السريان، والعرب واليهود، والكوشيون، والأريان والفينيقيون، والكنعانيون، والإيبيريون، والوندال، والإغريق، واللاتين، والزنوج. (راجع هنا)

إقرأ أيضا:معركة بلاط الشهداء..حين وقف الغافقي على عتبات باريس

جاء في مجلة المعهد الملكي للأنثروبولوجيا ( The Journal of the Royal Anthropological Institute) في هذا السياق : ومع ذلك، فإن الخصائص الجسدية للأمازيغ، والتي لا شك في أنها في الوقت الحاضر متأثرة إلى حد كبير بالاختلاط بالدم العربي، تتركنا في شك كبير فيما يتعلق بأصل العرق (الأمازيغي)، وربما من خصائص الوجه وقياس الجمجمة بالكاد يمكننا من تبرير افتراض أكثر من تلك الدرجة بالقول بتأثير الزنوج أيظا الذي يمكن أن يفسره القرب الجغرافي بسهولة.(هنا)

وهذا ما أكده عالم الأنتروبولوجيا الكبير وأول من وضع تصنيفا للأجناس الأوروبية جوزيف دينيكر Joseph Deniker، بحيث يقول في كتابه {The Races of Man} المنشور سنة 1900م:
إن الهجرات السامية العربية كانت على شكل سلسلة غزوات متفرقة بدأت من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الخامس عشر حيث بلغت ذروتها، وقد قامت هذه القبائل العربية بتعديل عميق لبعض السكان البربر والإثيوبيين من وجهة نظر جسدية وكذلك العرقية . (راجع هنا)

وإلى جانب ما ذكر، فل نتكلم كذالك على مستوى اللون، فالبربر أو الأمازيغ هم سود وسمر وبيض فلكل واحد منهم أصول يستمدها من لونه، فأما السود كالمصامدة ذو الاصول الزنجية الإفريقية الذي قال عنهم السمعاني (1113-1166م) : المصامدة وهم رجال بأقصى المغرب لهم بلاد كثيرة يقال لها بلاد المصامدة وهم قوم سود طوال حافظون لكتاب الله.

وبخلافهم نجد الشلوح وبربر الريف وباقي الأطلس فيهم من البيض ذو الأصول الرومية الوندالية الأوروبية، والسمر ذو الاصول العربية.

أصول البربر من خلال علم الوراثة

إن الحقائق التي تواترها علماء الأنثروبولوجيا هي نفسها سيؤكدها علماء الوراثة، بحيث أن العلماء بعد قيامهم بدراسة جينية على رفات 5 أشخاص من مقبرة تافوغالت المنتميين للحضارة للإيبروموريسية التي تعود ل15000 سنة، تبين أنهم مشارقة جينيا بما نسبته 63.5٪، بحيث جاء في الدراسة تفصيلا على مجلة العلوم الأمريكية (Science) : إن جينات الإيبيروموريسين تتشارك في الأصول الجينية المشتركة مع النطوفيين (المشارقة) بما نسبته 63 بالمئة (في المرتبة الأولى) ثم تأتي بعدها جينات جنوب الصحراء الافريقية بنسبة 37 بالمئة . (راجع الدراسة هنا)

وفي دراسة جينية أخرى صدرت سنة 2021 عن جامعة أوكسفورد البريطانية أكدت هي الأخرى الأصل المشرقي العربي للإيبروموريسين أقدم سكان شمال افريقيا بحيث جاء فيها بصريح العبارة : العرب الشرقيون أيضًا هم الأكثر تشابهًا مع الأيبيروموروسيين، الذين كانوا حتى الآن . (راجع د، هنا)

وقد جاء في دراسة جينية خصت البربر وحدهم تحت عنوان (مجموعة جينات الميتوكوندريا المعقدة والمتنوعة لسكان البربر)، صادرة عن مجلة NCBI العلمية الأمريكية المحكمة حول الأصول الوراثية للبربر المعاصرين : تظهر النتائج التي توصلنا إليها أن تجمع الميتوكوندريا البربرية يتميز بتردد مرتفع بشكل عام لمجموعات هابلوغروب غرب أوراسيا، وتكرار أقل إلى حد ما من سلالات جنوب الصحراء الكبرى…، كما لوحظ تمايز وراثي واضح وهام بين البربر من المغرب والبربر المصريين “. (راجع الدراسة هنا)

ونفس الأمر أكدته دراسة (J C Rando)، سنة 1998 والمنشورة أيظا على مجلة NCBI العلمية الأمريكية، بحيث خلصت لنتيجة هامة مفادها : يكشف تحليل الحمض النووي للميتوكوندريا لسكان شمال غرب إفريقيا عن التبادلات الجينية مع السكان الأوروبيين والشرقيين وشبه الصحراويين .

وتضيف نفس الدراسة حقيقة هامة وهي : يجب أن تكون غالبية أسلاف البربر من أوروبا والشرق الأدنى منذ العصر الحجري الحديث . (راجع الدراسة هنا)

كما جاء في دراسة جينية حول الأصول المشرقية لسكان المغرب القديم، صادرة عن مجلة (Nature) العلمية المحكمة أن أصول سكان المغرب من العصر النيوليثي الوسيط الممثلين بعينات الصخيرات هم 76.4% من أصول شامية نيوليثية و23.6% أصول مغربية محلية ممثلة بعينات تافوغالت . (راجع الدراسة هنا)

يقول الدكتور نارويا سايتو (Naruya Saitou) أستاذ المعهد الوطني لعلم الوراثة باليابان حول التنوع الجيني لسكان شمال إفريقيا : أظهرت التحليلات على مستوى الجينوم في سكان شمال إفريقيا نمطًا ديموغرافيًا معقدًا…، يتميز هذا السيناريو المعقد بمكوِّن أصلي في مجموعات سكانية شمال أفريقية موجودة ربما تم إدخالها في إفريقيا من الشرق الأوسط في أوقات ما قبل الهولوسين. تُرى المكونات الجينية الأخرى في شمال إفريقيا، مثل مكون جنوب الصحراء الذي ربما تم إدخاله في شمال إفريقيا في الآونة الأخيرة بما يتفق مع تجارة الرقيق جنوب الصحراء الكبرى، ومكون شرق أوسطي قد يكون مرتبطًا بالنيوليتيزيشن أو عمليات التعريب؛ ومكون أوروبي نتيجة لتدفق الجينات عبر البحر الأبيض المتوسط . (راجع هنا)

وإلى جانب ما سلف نستعين كذالك بما أورده الدكتور جون أندرو مورو (John Andrew Morrow)، حول ما توصلت له الدراسات الجينية عن الجنس البربري :

في المغرب وأجزاء أخرى من شمال إفريقيا عبارة عن فسيفساء معقدة من التأثيرات الأوروبية، والافريقية من جنوب الصحراء، وغرب آسيا، فالمغاربة شعب قوقازي في الأصل مختلط بدرجات متفاوتة مع السود والعرب والأوروبيين.

تتراوح نسبة الجينات السوداء بين البربر من 3٪ إلى 84٪، لدى بعض البربر مثل الطوارق فهم في الغالب من السود مع 84 ٪ من جينات أفريقيا جنوب الصحراء، مقابل 7.7 ٪ فقط من الجينات الأوراسية.

أما البربر في سوس فهم 68٪ أوراسيين و 26٪ أفارقة سود.

بينما البربر شمال وسط المغرب، وهم أنقى ممثل للأمازيغ، فهم 88.4٪ أوراسيين و 8.3٪ شمال أفريقيون و 3.3٪ فقط أفارقة سود.

وبالتالي بشكل عام، فإن مجموعة الجينات البربرية هي في الغالب من غرب أوراسيا (أوروبا والشرق الأوسط)، مع تواتر أقل من سلالات جنوب الصحراء الكبرى . (راجع هنا)

وهذا ما أكده كذالك عالم الآثار والأنتروبولوجيا الدكتور وليام ستيبينج (William Stiebing) في مؤلفه العلمي المشترك مع عالمة الآثار الدكتورة سوزان هيلفت (Susan Helft)، بحيث يقول عن خلاصة النتائج الجينية التي أجريت حتى اليوم عن سكان شمال افريقيا :

“ أكبر دراسة على الحمض النووي المصري القديم، نُشرت في عام 2017م، وقد جادلت بأن المصريين القدماء كانوا أكثر ارتباطًا بالمجموعات العربية والمشرقية من الأفارقة جنوب الصحراء، وأنه لم يكن هناك تغيير طفيف على مدار تاريخ مصر…،
وتشير الدراسات الجينية لسكان شمال إفريقيا الحديثة عمومًا إلى تدفق كبير لسكان الشرق الأدنى منذ العصر الحجري الحديث أو قبل ذلك “. (راجع المصدر هنا)

______

✔️ راجع أيضا مقال “الأصل البرتغالي للشلوح “ : هنا

✔️ راجع أيضا مقال “ديموغرافية المغرب عبر التاريخ “ : هنا

✔️ راجع أيضا مقال “السكان الأصليين لبلاد المغرب“ : هنا

✔️ راجع أيضا مقال “ جدلية علم الجينات… “ : هنا

السابق
الأصل البرتغالي للشلوح
التالي
صاعد بن الحسن بن صاعد

اترك تعليقاً