تاريخ وأحداث

العرب في تامسنا

الشاوية هي من أحد أكبر المناطق العربية في المملكة المغربية الشريفية، يقول  إبن خلدون (1332-1406م) عن أصل الشاوية العرب ؛ ” وأما الصبيحيون فالخبر عن أوليتهم أن جدهم حسان من قبيلة صبيح من أفاريق سويد جاء مع عبد الله بن كندوز الكمي، من بني عبد الواد حين جاء من تونس وأوفد على السلطان ابن عبد الحق ولقيه كما مر وكان حسان من رعاء إبله فلما استقر عبد الله بن كندوز بناحية مراكش وأقطعه السلطان يعقوب في أعمالها وكان الظهر الذي يحمل عليه السلطان متفرقا في سارية المغرب فجمعه وجعله لنظر عبد الله بن كندوز فجمع له الرعاء وكبيرهم يومئذ حسان الصبيحي فكان يباشر السلطان في شان ذلك الظهر ويطالعه في مهماته فحصلت له مداخلة أجلبت إليه الحظ حتى ارتفع وكبر ونشأ في ظل الدولة وغيرها وتصرفوا في الولايات فيها وانفردوا بالشاوية فلم تزل ولايتها متوارثة فيهم منقسمة بينهم لهذا العهد “. (راجع هنا)

ويقول صاحب الإستقصا نقلا في أصل الشاوية : 《الشاوية من ولد حسان بن أبي سعيد الصبيحي نسبة إلى صبيح بالتصغير بطن من سويد وسويد إحدى قبائل بني مالك بن زغبة الهلاليين ، وكان دخول حسان وأخيه موسى ابني أبي سعيد إلى المغرب الأقصى أيام السلطان يعقوب بن عبد الحق رحمه الله قدموا في صحبة عبد الله بن كندوز العبد الوادي، ثم الكمي 》. (راجع هنا)

إقرأ أيضا:معنى أغنية تك شبيلية تيوليولا

ويقول صاحب《 نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني 》العلامة محمد بن الطيب القادري (1712-1773م) في ترجمة الوالي أحمد بن محمد الشاوي (ت1605م) : ” أصله عرب الشاوية أهل بلاد تامسنا، وهم من العرب الحجازيين من أحياء بني هلال وسليم الذين نقلهم العبيديون ملوك مصر إلى صعيد مصر ثم دفعوا إلى برقة وافريقية ثم إلى المغرب، أدخلهم اياه يعقوب المنصور الموحدي، كل ذلك لاسباب ذكرها ابن خلدون “. (راجع الجزء الأول من الكتاب ص132 هنا)

وعليه من خلال ما سلف يمكن القول أن هناك إجماع حول عروبة قبائل الشاوية وأصولها وهذا تناولناه في مقال معنون ب 《قبائل الشاوية {راجعه هنا}》وهو ليس موضوع مقالنا هذا، فهذا المقال هو ملخص للرد على خرافة طرد العرب من الشاوية التي جاء بها الحسن الوزان أو ليون الإفريقي.

● من بين الخرافات التاريخية التي أوردها ليون الإفريقي في كتابه 《وصف إفريقيا》ونقلها عنه القسيس مارمول كربخال، هي خرافة طرد بنو مرين لعرب الشاوية، فيقول في فصل مختلط الكلام ؛ ” ظلت تامسنا مهجورة مائة وثمانين سنة إلى الوقت الذي رجع فيه المنصور من مملكة تونس وصحب معه بعض الفرق من قبائل الأعراب مع رؤسائهم وأسكنهم تامسنا، فمكثوا فيها حسين عاماً إلى أن ذهب الملك عن آل المنصور. وكان سقوط هذه الأسرة كارثة عظمى على الأعراب الذين وقعوا في فقر مدقع، وطردهم ملوك بني مرين من هذا الإقليم. وأعطوه القبائل زناتة وهوارة جزاء لما لقوه منهم من مناصرة “.

إقرأ أيضا:دكالة طبيعة السكان ومعضلة التسميات

أولا قلنا ؛ هذه الواقعة منقطعة السند التاريخي ويتفرد بها ليون الإفريقي وحده دون مؤرخي الدولة والحقبة المعنية، وهو ما يسحب منها صفة الحقيقة والموضوعية، فواقعة تاريخية مهمة كهذه لا يمكن أن يتفرد بها مؤرخ واحد.

ثانيا ؛ معلوم أن بنو مرين، كان عرب الغرب وتامسنا أنصار لهم وشيعتهم كما أكد مؤرخو الدولة المرينية نفسهم، ولم يكونوا مناصرين للموحدين كما زعم ليون الإفريقي الذي لم يعاصر دولة بنو مرين أصلا، وإن رجعنا لكتاب ابن أبي زرع فهو يؤكد على هذا فيقول ؛ 《 فإرتحل أمير المسلمين أبو ثابت إلى مراكش وذلك يوم السبت ميل شهر رمضان..، ثم ارتحل إلى بلاد تامسنا فتلقته بها وفود العرب من الخلط والعاصم وبنى جابر وغيرهم من عرب حشم برسم السلام عليه والوداع 》. (راجع المصدر هنا)

وهو نفس ما أكده خلدون متكلما عن إحدى حملات يعقوب المنصور المريني قائلا ؛ 《 وتوافت لَدَيْهِ أَمْدَاد الْعَرَب من قبائل جشم أهل تامسنا الَّذين هم سُفْيَان والخلط والعاصم وَبَنُو جَابر وَمن مَعَهم من الأثبج وقبائل ذَوي حسان والشبانات من معقل أهل السوس الْأَقْصَى وقبائل ريَاح أهل أزغار وبلاد الهبط 》. (راجع هنا وهنا)

إقرأ أيضا:قبائل المغرب: قبائل دكالة

ثالثا ؛ المؤكد تاريخيا وحسب ما أجمع به المؤرخون المتقدمون أن بنو مرين أدخلو العرب للمغرب وليس البربر، يقول المؤرخ  محمد الصغير الإفراني (1669-1747م) : ”هؤلاء العرب من الخلط ومختار وسفيان اصلهم من جشم القبيلة المشهورة وكانوا في القديم من شيعة بني مرين وهم الذين اقدموهم من المغرب الأوسط وفيه كان قرارهم وكانت لهم في الدولة المرينية صولة ومرتبة…، أيام المنصور (الذهبي) فرأى مقاتلتهم في وادي المخازن وابلاءهم فيه البلاء الحسن فاختار نصفهم للجندية وأبقى نصفهم الآخر في غمار الرعية ونقلهم لازغار فسكنهم فيه“. (راجع هنا)

وبالتالي من خلال ما أوده الإفراني فإن بنو مرين هم أصلا من عمروا تلك البلاد بالعرب الموالين لهم إلى جانب العرب الذين سبق وأدخلهم الموحدون للمنطقة، وهم الخلط والعاصم وبنو مالك إلخ، ولم يدخل المرينيون أي قبائل بربرية للمغرب حسب المصادر التاريخية المعاصرة، وهو نفس ما أكده الشيخ الشيخ أبي حامد بن يوسف الفاسي 1580م في 《مرآة المحاسن》؛ “وأما بنو مالك ؛ فبطن من سويد : أولياء دولة بني مرين، وانحاز بنو مالك إليهم، فدخلوا المغرب الأقصى على أيام أحد ولد السلطان أبي الحسن– فيما أظن- ونزلوا ببلاد ملوية في آجرسيف وما والاه، وتقلبوا في تلك الضواحي مدة، وكانت الرياسة لعريف بن يحيى وولده بعده، ثم ورثوا بلاد رياح والخلط بأزغار “. (راجع مرآة المحاسن، ص288)

ثالثا ؛ هناك عدة مراجع ومصادر تاريخية في نفس حقبة ليون الإفريقي تصف سكان الشاوية أنهم عرب أقحاح، نذكر منها على سبيل المثال ما ورد في مذكرات  الدون خورخي دي هنري (1603م) التي تحمل عنوان《وصف الممالك المغربية》 التي يصف فيها حقبة ما بعد أحمد المنصور كما عاينها بعد قضاءه مدة ثماني سنوات في المغرب فيقول ؛ “عرب تامسنا على ضفة نهر أم الربيع ويقدمون 600 ألف أوقية “. (الصفحة 176)

ونجد كذالك إشارة للشاوية عند الجغرافي والرحالة البريطاني السير آرثر دي كابيل بروك (1791-1858م)، فيقول في وصفه لبلاد المغرب عن منطقة الشاوية: 《تامسنا، الشاوية، غياطة، والحياينة، كلهم مقاطعات عربية》. (راجع المصدر هنا)

وهذا ما أكده كذالك  جيمس ج جاكسون (JAMES GREY JACKSON)، رجل أعمال بريطاني ودبلوماسي من أهل القرن الثامن عشر ميلادي، أقام في المغرب مدة ستة عشر سنة، جاب فيها كل منطقة من بلاد المغرب ونزل ضيفا على قياد البلاد وعلى السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله رحمه الله، يقول عن الشاوية في معرض حديثه عن القسم الشمالي للمملكة المغربية قائلا :《 التقسيم الشمالي الذي يضم ولايات الريف والغرب وبني حسن وتامسنا والشاوية وتادلا ودائرة فاس، هي مناطق يسكنها العرب على اختلاف أنواعهم 》. (راجع هنا)

وبالتالي يمكن القول أن واقعة طرد بنو مرين للعرب كما زعم الحسن الوزان هي مجرد تحريف تاريخي لا اساس ولا سند ينبني عليه، ومعلوم أن كتابه حمل عدة مغالطات تاريخية ربما كان هو صاحبها أو ثم تحريفها من الكنيسة لاسيما أنه كتب كتابه وهو أسير عند الفاتيكان.

السابق
الفينيقيون العرب
التالي
دولة الأدارسة والعرب

اترك تعليقاً